المسكوت عنه بعد “مرحلة الصيد”: 3سيناريوهات تنتظر تونس..ورقات “الفيتو” قد تغير موازين القوى

كانت الجلسة العامة للبرلمان يوم أمس “استثنائية جدا” على كل المستويات.. ولم تختزل في “فرصة” تقدم إلى رئيس الحكومة الحبيب الصيد يقدم فيها “حصيلة” حكومته، ثم يعلن في أعقابها عن استقالته.

تطورت الجلسة العامة إلى “ماراطون” سياسي شارك فيه عشرات النواب من مختلف التيارات، بالرغم من كون النتيجة كانت معلوم مسبقا أي سحب الثقة من الحكومة الحالية ورئيسها.

فإلى أين تسير تونس على ضوء ما جرى أمس في الجلسة العامة وما حف بها من تحركات سياسية؟

 عدد من الوزراء في الحكومة الحالية ـ مثل ناجي جلول ـ رفضوا الادلاء بأي تصريحات تعليقا على خطاب الحبيب الصيد احتراما لقرار اتخذته قيادة حزبهم.

في المقابل تسابق نواب ووزراء سابقون وسياسيون بارزون على ميكروفونات الاعلاميين الذين واكب 300 منهم الجلسة العامة أمس حسبما أكده لنا حسان فتحلي الملحق الاعلامي لرئيس المجلس السيد محمد الناصر.

وكشفت ردود الفعل في الكواليس على خطاب الحبيب الصيد تناقضات في فهم المبادرة الرئاسية حول “حكومة الوحدة الوطنية” رغم توقيع قيادات 9 أحزاب و3 نقابات وطنية على “وثيقة قرطاج” بحضور رئيس الدولة.

“المسكوت عنه”؟

وفي ظل التباينات التي أفرزتها المداخلات في الجلسة العامة ثم التصريحات و”الدردشات” الجانبية المطولة في أروقة البرلمان وبعض “أجنحته” فإن السؤال الكبير يظل: ما هو المسكوت عنه بعد هذه التطورات؟

ولماذا تناقضت تصريحات غالبية النواب والسياسيين في الجلسة العامة مع روح “وثيقة قرطاج” التي أوحت بوجود ما يشبه “الإجماع” بين غالبية مكونات المشهد السياسي والحزبي؟

وإذا كان قادة الاحزاب الكبرى اتفقوا في قرطاج على بدء “مرحلة ما بعد الصيد” فلماذا برزت تقييمات متباينة لأداء الحكومة “المقالة” وللمبادرة الرئاسية؟

ألا تعكس مثل تلك التباينات تعمق التناقضات داخل بعض الكتل البرلمانية من جهة وداخل الاحزاب التي تدعمها من جهة ثانية؟

ثم هل يمكن الحديث فعلا عن “توافق سياسي حقيقي” بين أحزاب الائتلاف الحكومي السابق وخاصة بين حزبي النداء والنهضة؟

أم أن المسكوت عنه هو أن “أزمة الثقة” تعمقت مجددا بين “التجمعيين” و”الإسلاميين” و”اليساريين”؟

أجواء صائفة 2013

وقد كشفت مداخلات عشرات النواب في الجلسة العامة ثم حواراتنا مع ممثلي الاحزاب السياسية والكتل البرلمانية أن البلاد مقبلة على “فوضى سياسية” تذكر بمناخ صائفة 2013، بما يضعها أمام واحد من 3 سيناريوهات:

السيناريو الأول لخصه النائبان عمار عمروسية وزياد الأخضر بقولهما أن “سي الباجي وسي راشد ستوافقان بسهولة” وسوف يلتقيان بعد أيام ليتفقا على اسم رئيس الحكومة القادم حسب “الترضيات” التي سوف يقدمها رئيس الدولة والرئيس المؤسس لحزب النداء فيما يتعلق بعدد الحقائب التي سوف تسند للإسلاميين والتجمعيين والمستقلين المقربين منها.

وإذا تحقق هذا التوافق ولم تستخدم قيادات اتحاد الشغل والأعراف “الفيتو” ضد رئيس الحكومة المقترح ووزرائه يمكن أن تبدأ مرحلة البناء وأن تختزل مرحلة “حكومة تصريف الأعمال” في اقل من شهر.

 اما السيناريو الثاني فهو أن تعجز مؤسسة الرئاسة وقيادات النداء والنهضة عن ضمان أصوات الـ 130 نائبا المنتمين إلى حزبيهما عند عرض الحكومة القادمة على التصويت.

في تلك الحالة قد تستفحل الازمة السياسية والاجتماعية في مرحلة سبق لوزير الشؤون الاجتماعية محمود بن رمضان أن هدد فيها من مخاطر جر تونس نحو”مرحلة العجز عن تسديد الرواتب منح المتقاعدين.”

ولا يخفى أن مثل هذا المناخ سيؤثر سلبا على فرص ترفيع الادخار والاستثمار والتشغيل والتنمية.. بما يمكن أن يعني دفع البلاد نحو “فوضى اجتماعية اقتصادية سياسية أمنية أوسع” قد تعجز مؤسسات الدولة عن التحكم في مسارها؟؟ .

 انتخابات سابقة لأوانها

أما السيناريو الثالث فيتثمل في تعاقب حالات التلويح بورقة “الفيتو” واستفحال الخلافات مجددا بين قيادات الاحزاب البرلمانية وخاصة بين النداء والنهضة و”الحرة” (التي تمثل حزب مشروع تونس) والجبهة الشعبية التي تتميز بكون تيار كبير من قيادات اتحاد الشغل ومنظمات المجتمع المدني مقربة منها.

هذا السيناريو يعني تطور الأوضاع نحو “أزمة شاملة” جديدة بالرغم من التصريحات المتفائلة الصادرة قبل أيام عن الرئيس الباجي قائد السبسي ثم تصريحات السيد راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة أمس في البرلمان.

وبالرغم من تأكيدات نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري أمس مجددا على عدم تقدم حركته بمرشح لرئاسة الحكومة القادمة من داخلها أو من بين المستقلين، فإن عددا من نواب الحركة في البرلمان ومن ساستها وبينهم رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني والأمين العام الجديد زياد العذاري والنائبة سيدة الونيسي، أشاروا في تصريحات عديدة إلى كون “النهضة ستطالب بأن يكون تمثيلها في الحكومة الجديدة متماشيا مع وزنها البرلماني والسياسي بصفتها الكتلة الاولى في البرلمان حاليا”.

هذه المعطيات وغيرها دفعت الوزير ومحافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي الى التحذير من دفع البلاد نحو مرحلة “تتدهور فيها الأوضاع الاقتصادية أكثر” ويفرض فيها خيار تنظيم انتخابات سابقة لأوانها بالرغم من “اختلال المشهد السياسي والحزبي لصالح حزب واحد منظم وموحد” في إشارة إلى حزب النهضة؟؟

ورقة “الفيتو”؟

كيف الخروج من هذه “الحلقة المفرغة” بعد نحو شهرين تعثر فيهما الانتاج والاستثمار وتراجعت فيهما الإنتاجية داخل مؤسسات الدولة؟

هل يتدخل “المجتمع المدني” كالعادة ليفرض “حلولا وسطى” على الأطراف السياسية والنقابية التي تلوح منذ مدة بـ”ورقة الفيتو” على عدد من المرشحين الافتراضيين لرئاسة الحكومة أو لتولي حقائب جديدة؟

وهل يؤدي “الفيتو” على الأسماء المقترحة الى العودة إلى مرحلة “إعادة تزكية” وزراء في حكومة الحبيب الصيد بما في ذلك بالنسبة للمشرفين على بعض وزارات السيادة والوزارات الاقتصادية والفنية التي تتهمها المعارضة وقيادات اتحاد الشغل المشرفين عليها بـ “الفشل”؟؟

خلط الاوراق بدأ فجأة عند الإعلان عن “مبادرة حكومة الوحدة الوطنية” يوم 2 جوان الماضي.. وقد يتواصل لبضعة أسابيع..

لكن لن يسمح الشعب والمهمشون والعاطلون والشباب طويلا بمزيد اغراق البلاد  في الأزمات السياسية “الفوقية”، لأن “المفاجأة الأليمة” قد تكون انفجار الألغام في وجه الجميع.. مع ما يعنيه ذلك من تعاقب أعمال العنف ومزيد إضعاف مؤسسات الدولة والمجتمع..

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *