المجالس البلدية في تونس……صراعات تهدد بسقوط المجالس المحلية و إدخال تجربة الحكم المحلي إلى بيت الطاعة

مغرب نيوز* عزيزة بن عمر

يوم 06 ماي 2018، يوم تاريخي عاشته تونس في أوّل تجربة حكم محلي بعد 7 سنوات حكم أحزاب ما بعد الثورة، أجريت أولى انتخابات بلدية بمخاض عسير بعد تأجيلها في مناسبتين، حددت الانتخابات البلدية في مرحلة أولى يوم 17 ديسمبر 2017 لكن استقالة رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات شفيق صرصار آنذاك، حالت دون اجرائها ووضعت الانتخابات البلدية في مأزق. تمّ تأجيل الانتخابات إلى يوم 25 مارس 2018، كمرحلة ثانية، واستحال القيام بها لعدم صدور الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين ما أجبر الهيئة على تحديد موعد جديد للانتخابات البلدية ليكون يوم 06 ماي وفي بادرة فريدة من نوعها وقع إعطاء الحق للأمنيين والعسكريين للمشاركة في الانتخابات وحدّد يوم 29 أفريل موعد انتخابهم.

 بعد الاتفاق على الموعد النهائي لإجراء الانتخابات البلدية التونسية بعد أن كانت آخرها سنة 2010، كان يوم 06 ماي 2018 محطة فارقة في تاريخ تونس بعد الثورة وتمّ التصويت لاختيار ممثلي المجالس البلدية في 350 بلدية بإشراف وإدارة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. بالنسبة للأحزاب المترشحة فقد فازت حركة النهضة بالمرتبة الأولى بـ 28 فاصل 6 بالمائة من الأصوات، تليها نداء تونس بـ 20 فاصل 8 بالمائة فيما تحصلت القوائم المستقلة المختلفة على أغلب الأصوات بـ  32 فاصل 2 بالمائة.

بعد ترسانة القوانين التي وضعتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، تباينت الآراء حول جاهزية الشعب التونسي لمثل هذه التجربة، لكن كانت هزيمة هذا الاستحقاق الانتخابي منتظرة من قبل كل عارف وفهيم بالأوضاع السياسية في البلاد، وهاهي اليوم تعطي أكلها بعد أشهر من اجراء الانتخابات البلدية و تركيز مجالس بلدية منتخبة. تواترت في الآونة الأخيرة الاستقالات من المجالس البلدية، وقدّم يوم 26 مارس 17 مستشارا بلديا استقالة جماعية من بلدية باردو لحفظ ماء الوجه واحتراما لمواطني باردو، وجاء هذا القرار على خلفية استحالة العمل مع رئيسة البلدية في ظروف طبيعية وما يشوب تصرفاتها من شبهات فساد وسوء تصرف يضرّ بالمصلحة العامة.

من جانبهم قدمّ 20 مستشارا بالمجلس البلدي بسكرة استقالتهم يوم 29 أفريل إلى والي أريانة، وحسب وثيقة الاستقالة فقد أرجع الأعضاء استقالتهم إلى عدم قدرة رئيسة البلدية على تسيير الشؤون البلدية وانفرادها بالرأي.

وفي نفس اليوم 29 أفريل، قدم 10 أعضاء من المجلس البلدي بالسرس استقالتهم إلى والي الكاف. وحسب الوثيقة المقدمة للولاية فإن سبب هذه الاستقالة الجماعية هو وجود شبهات فساد وسوء تسيير في الملك البلدي إضافة لاستحالة العمل والتواصل مع رئيس المجلس البلدي. وأوضح الأعضاء المستقيلون أنهم تعرضوا للتهديد ولللاستهداف بالعنف اللفظي والمادي على خلفية مواقفهم وأنهم لم يجدوا استراتيجية عمل واضحة داخل المجلس.

 وفي نفس السياق، طالب أعوان النقابة الأساسية لبلدية رواد التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل يوم 7 ماي الجاري، بتجميد نشاط رئيس الدائرة البلدية بالغزالة عادل الخليفي على خلفية ما اعتبرته تعمدا منه إهانة أعوان البلدية بما يؤثر سلبا على مناخ العمل البلدي، واستحالة العمل معه نظرا لإهانته المتواصلة بتصرفاته الاحادية وقراراته الفوقية على العملة.

 كما أعلن 15 عضوا بالمجلس البلدي بنعسان لوالي بن عروس، استقالتهم من المجلس البلدي يوم 13 ماي، وعلّلوا ذلك، وفق نص الاستقالة التي نشرت، بسبب انسداد سبل التفاهم والحوار مع رئيسة المجلس التي قالوا إنها عبثت بالمسؤولية وانفردت بالرأي ولم تمض على قرارات المجلس المضمنة بمحاضر الجلسات ولم تنشرها للعموم.

ولنفس الأسباب وفي اليوم ذاته قدّم 12 عضوا من المجلس البلدي بتيبار من ولاية باجة، استقالة جماعية إلى والي الجهة.

و يخشى محللون أن تؤدي هذه الاستقالات في البلديات إلى “إفشال تجربة السلطة المحلية التي ينص عليها دستور 2014″، فضلا عن إثقال كاهل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالمزيد من المهام تزامنا مع استعدادها لتنظيم الاستحقاق التشريعي  و الرئاسي القادم.

إضعاف التجربة

و يعزو رئيس الكونفدرالية التونسية لرؤساء البلديات و رئيس بلدية “رواد ” أريانة، عدنان بوعصيدة، “نزيف الاستقالات في البلديات” إلى عدة أسباب من بينها “وجود رغبة سياسية في ضرب تجربة السلطة المحلية”.

و يؤكد بوعصيدة في تصريح ل”وات” على أن “هذه المحاولات تهدف إلى تركيع المجالس البلدية المنتخبة مباشرة من قبل الشعب” مستدركا “لكننا نؤكد أنه لا سبيل إلى إدخال تجربة الحكم المحلي إلى بيت الطاعة”.

ويرى المسؤول ذاته أن “التجاذبات السياسية و رغبة بعض الأحزاب السياسية الجديدة في استقطاب المستشارين وإيجاد موطئ قدم لها بالبلديات، خلق المزيد من الإشكاليات بين أعضاء المجالس البلدية والرؤساء”.

وينفي رئيس الكنفدرالية “الاتهامات الموجهة لرؤساء البلديات بالانفراد بالرأي”، موضحا أن “القانون يمنح رئيس البلدية صلاحيات واسعة من بينها السلطة الترتيبية و الإدارية إلى جانب تحميله المسؤولية القانونية”.

ويشير المصدر ذاته أيضا إلى أن “نقص التكوين لدى المستشارين و تأخر المصادقة على مجلة الجماعات المحلية من قبل البرلمان يلعبان دورا في تداخل الصلاحيات لدى المستشارين”.

أسباب سياسية

في المقابل، يعتبر الخبير في الشأن البلدي والمكون بـ”مركز التكوين ودعم اللامركزية”، محمد الضيفي، أن قضية الاستقالات من المجالس البلدية “لم تتحول إلى ظاهرة بعد”.

ويقول الضيفي في تصريح ل”مغرب نيوز”  إن “ظاهرة الاستقالات في البلديات ملفتة للانتباه لكنها لا تزال محدودة جدا، حيث أنه من جملة 350 بلدية تم حل مجلسين بلديين فقط وهناك 9 بلديات ربما يشملها هذا الإجراء، وبالتالي فإن 3 في المئة فقط معنية بالاستقالات الجماعية المتزامنة لأغلب أعضائها”.

ويٌفسر الخبير ذاته الاستقالات الأخيرة بـ”قلة خبرة الأعضاء المنتخبين، ولاسيما عدم قدرة الرؤساء على التواصل مع الأعضاء ومع المواطنين ومكونات المجتمع المدني”.

ويلفت الضيفي إلى وجود أسباب رئيسية أخرى في مجملها “أسباب سياسية تتجلى في تغليب المصالح الحزبية على المصالح البلدية، لتتحول البلديات إلى حلبة صراع سياسي على غرار ما يجري في مجلس نواب الشعب”.

ويربط المتحدث ذاته بين الانتخابات التشريعة والرئاسية القادمة وموجة الاستقالات الأخيرة، مشيرا إلى أن “العديد من أعضاء المجالس البلدية يفكرون في الترشح للتشريعات، وهذا ما زاد في درجة المنافسة بين الحساسيات التي يتكون منها المجلس البلدي”.

وفيما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، يؤكد الضيفي أن “بعض الأطراف السياسية تسعى إلى الإطاحة ببعض رؤساء البلديات، بالنظر إلى أن الترشح للانتخابات الرئاسية يتطلب حصول المرشح على تزكية 40 رئيس بلدية”.

مخاوف بشأن الرئاسيات و التشريعيات

ويعتقد الخبير نفسه أن تواصل موجة الاستقالات سيضع “الهئية العليات المستقلة للانتخابات في وضعية حرجة، خصوصا على المستوى التكلفة المالية”.

وينبه في هذا الإطار إلى ذ”تواتر الانتخابات ببعض الدوائر سيؤثر سلبا بدون شك على نسبة المشاركة حيث سيكون على الناخبين في بعض الدوائر التحول لمكاتب الاقتراع في 4 مناسبات”.

وبرزت في الآونة الأخيرة مطالب بتأجيل الانتخابات الجزئية التي ستتسبب فيها الاستقالات الجماعية في عدد من البلديات.

غير أن عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أنيس الجربوعي، يؤكد في تصريح لـ”مغرب نيوز” على أن “الهيئة ستكون مطالبة بإجراء انتخابات جزئية في موعدها وفقا لما ينص عليه القانون”،مشددا على أن “تنظيم انتخابات جزئية سيُشتت جهود هيئة الانتخابات، التي تركز عملها في الوقت الراهن على إنجاح الاستحقاق التشريعي و الرئاسي، إلى جانب تشتيت تركيز الناخب من خلال تعدد الحملات الانتخابية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *