الفضاء الإعلامي و قوى الضغط قبل انتخابات 2019: التمويل.. الإشهار.. التحزب.. المصالح.. و الخارج (تقرير)

 

نقصد بقوى الضغط الأطراف الفاعلة في توجيه الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية والتأثير في الإنتاج الصحفي، في اتجاه الانحياز والتوظيف والدعاية والتواطؤ. وقد تعمل قوى الضغط على إزاحة مؤسسات أو صحافيين من المشهد بعدة أدوات منها المالية والقانونية وحتى بالحملات التشويهية.

و نحن لا نتحدث هنا عن “مجموعات الضغط” التي يكون دورها مهنيّا و”حرفيا” في إطار إسداء خدمات، تؤدّيها الشركات الخاصة والجمعيات المنظمات غير الحكومية ومكاتب الدراسات والاستشارات. بل نتناول ملف القوى “الخفيّة” أحيانا التي توظّف غيرها لتحقيق أهداف مجموعات وكيانات وحتى مصالح دول، عبر أساليب تحايل ومخالفة للأعراف المهنية ومنتهكة للقوانين أحيانا، وعادة ما تتمتع قوى الضغط هذه بحصانة تكفلها مواقع تمركزها ونوعية حزامها الداعم والمستفيد.

و كان الصحفي محمود الذوادي كتب منذ سنتين سلسلة مقالات بعنوان يستخدم استعارة سوداء “أزمات أخلاقية ومأزق مالي..مؤسّسات إعلامية تحتطب” (والاحتطاب ينسب إلى المجموعات الإرهابية التي تنفذ عمليات سطو لتمويل أنشطتها). وقال الذوادي: “بعض القنوات التلفزية الكبيرة والأكثر سطوة ومشاهدة تستخدم نفس أساليب الإذاعات المحلية أو اكثر لؤما لامتهان الصحفيين وإجبارهم على تبني أجندات وسياسات أعرافهم أو لجمع المال إلى حد الاستثراء. إنّها تستفيد من النفوذ السياسي”.

تنتعش عمليات “الاحتطاب” مع الدخول في المراحل الانتخابية، ويجري مسبقا تأهيل الأدوات الإعلامية “بتسمينها” ماليا لتكتسب القدرة على أداء الدور الموكول في الدعاية والدعاية المضادة. فالمال هو محور عمل قوى الضغط ويتم ضخّه للمستفيدين عبر عائدات الإعلانات أو عبر المنح الخارجية وكذلك عبر التمويل غير المعلن. وذلك رغم تشتت مظاهر قوى الضغط.

و يمكن رصد توزع قوى الضغط على عدة مواقع:

الدولة

عبر استخدام نفوذ مسؤولين كبار والمكلفين بالاتصال في مختلف مواقعهم، حسب قدرات الفاعلين الاتصاليين على استخدام علاقاتهم العامة ونفوذهم في الضغط.

وقد وثقت نقابة الصحافيين في بعض تقاريرها محاولات استخدام النفوذ للضغط على مؤسسات وصحافيين، سواء من قبل رئيس الجمهورية نفسه أو من ديوانه. وقد أبدى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مؤخرا تذمّره من أنّ الطفرة التي شهدها الفضاء الإعلامي بعد الثورة (75 جريدة ورقية و72 صحيفة الكترونية و44 إذاعة و17 قناة تلفزيونية) أصابت الرأي العام بالتذبذب وولدت حالة من الإفراط في الحرية.

ويعمد بعض مسؤولي الاتصال الوزاري والإداري إلى اعتماد الإغراء بالمعلومات الحصرية لاستقطاب صحافيين ومالكي مؤسسات، لتحييدهم أو لتوظيفهم في الدعاية لأشخاص.

الأحزاب

مكّنت موازين القوى بعض الأحزاب أن تحاول استخدام نفوذها لتوجيه الخط التحريري للمؤسسات أو لمعاقبة صحافيين من مشغليهم، وهو ما توفر، بقدر نسبي، لحركة النهضة خلال سنتي 2012 و2013، ثم فسح المجال لحركة نداء تونس منذ أواخر سنة 2014. وأتاحت إدارة مؤسسات إعلامية من قبل مقربين من حركة النهضة لأن يكون الخط السياسي أو تصوّر الخط السياسي عامل ضغط على مؤسسات أو صحافيين.

وأثارت مؤشرات صعود كبير لنداء تونس سنة 2014 هواجس داخل الوسط الإعلامي تفاوتت ردود الأفعال إزاءها من التواطؤ إلى التوظيف والدعاية وانتظار المنافع. وأظهرت شكوى مالكة إذاعة “كاب اف ام” ضد برهان بسيس في جويلية 2017 مثالا للضغوط الحزبية على مؤسسات وصحافيين.

كما مثّل تهديد حزب نداء تونس في أكتوبر الماضي بمقاطعة بعض وسائل الإعلام نوعا من الضغوط على الصحافيين في الحصول على المعلومات.

و أظهرت نتائج تقرير أعدّته الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري حول “رصد التعددية السياسية في القنوات التلفزية والإذاعية (23 جانفي – 12 مارس2017)، اعتمادا على جملة تدخلات الفاعلين السياسيين وقيس المساحة الزمنية، وجود محاذير من أن تتحول إحدى القنوات العمومية إلى أداة دعاية لصالح طرف سياسي معيّن (هو الجبهة الشعبية)؟ كما اثار التساؤل إن كانت توجد قوة ضغط داخل مؤسسة التلفزة العمومية تدفع نحو عدم الحياد ؟

و لئن كانت معايير الإعلام السمعي البصري العمومي هي الأفضل، فإنّ ذلك لا يحجب وجود أجندات حزبية وإيديولوجية منحازة، إداريا أو تحريريّا، وأيضا بسبب التسيّب والإهمال الإداري داخل المؤسسة.

وإذا كان ذلك شأن الإعلام العمومي، فما بالك بالحال في الإعلام السمعي البصري الخاصّ، الذي لا توجد ضمانات قد تصونه من قوى الضغط الحزبية، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية التي يكون للإعلام، دون شك، دور فاعل ومحوريّ في توجيه الرأي العام خلالها.

المجموعات الإيديولوجية في المؤسسات العمومية

لا تملك بعض الأحزاب نفوذا يخوّل لها استخدام الضغوط، لكنّ سيطرة بعض الموالين لها على غرف التحرير، فسح لها المجال لتنفيذ أجنداتها الإعلامية، ويتجلى ذلك خاصة في المؤسسات العمومية (الوطد في الصحافة الورقية العمومية، بعض مكونات الجبهة الشعبية في التلفزة والإذاعات الوطنية).

وتتحكم هذه المجموعات في المضامين الإعلامية مستقوية، أيضا، بالجهاز الإداري المشرف على التعيينات والبرمجة.

الإذاعات الجهوية الخاصة

الإذاعات الجهوية مملوكة لرجال أعمال أغلبهم مقرب من النظام القديم، أمّا الإذاعات الجمعياتية الجهوية فيملكها منتمون لتيارات فكرية وسياسية. وتظهر أرقام الاستبيانات أنّ الإذاعات الجهوية الخاصة بأنواعها هي الحائزة على أكبر نسبة استماع، مقابل الإذاعات العمومية، بما يرشحها لأن تكون قوة تأثير فاعلة. ومن الملاحظ أنّ إذاعتين هامّتين من حيث نسب الاستماع في الوطن القبلي معاديتان بشكل صريح لأحد الأحزاب الحاكمة وتحوزان على أغلب المستمعين في دائرتين انتخابيتين كبيرتين.

وتعيش أغلب الإذاعات الجهوية الخاصة ظروفا مالية صعبة تجعلها في متناول الأجندات المستقوية بالمال. ويشار إلى أنّ إذاعة جمعياتية خاصة بسيدي بوزيد حصلت على تمويل أوروبي حكومي ضخم في فترات تأسيسها.

المؤسسات الإعلامية الأجنبية المنتصبة في تونس

المقصود أساسا القنوات التلفزية المرتبطة بوزارات خارجية (فرانس 24 وروسيا اليوم) أو بأحزاب وأمراء (قنوات السعودية والإمارات)، إضافة إلى وكالات الأنباء التي تديرها دول لها أجندات في تونس. فقنوات مثل (الميادين والعربية ودبي وأبو ظبي وسكاي نيوز والإخبارية و”أون تي في” المصرية والعالم والمنار وفرانس 24 وبراس تي في الإيرانية وروسيا اليوم…) تحوّلت إلى حاضنة إعلامية للمعادين للثورة ولليسار، ولفرض رؤية أنظمة في الخطاب الإعلامي، كما أنّ العدد الكبير لهذه القنوات بخط تحرير متقارب مكّنها من ترويج صورة سلبية لتونس في الخارج. وتوفر هذه القنوات الدعم المالي لكثير من الشخصيات بعنوان استضافة “خبراء ومحللين” كما انتدبت عددا من الصحفيين ووفرت لهم مرتبات كبيرة مكنتهم من التحرك والفعالية في الوسط الصحفي بفضل موقعهم الاجتماعي المترفه.

وإلى جانب القنوات التلفزية، تلعب وكالات أنباء رسمية عربية وأوروبية دورا كبيرا في الترويج لصورة خاصة عن تونس مرتبطة بأجندات أنظمة.

التمويل الأجنبي للمنظمات

حصلت الجمعية التونسية للإعلام البديل على تمويل قدره  452 ألف دينار من الاتحاد الأوروبي، حسب الإعلام المنشور في صحيفة “الشروق” يوم 1 جوان 2017. وكشفت إحصائية نشرت في وقت سابق أن حجم المال الأجنبي الذي استفاد منه جزء من المجتمع المدني التونسي بلغ 18,305 مليون دينار سنة 2017 وحدها.

وترصد التمويلات لأنشطة في الفضاء العام ترتبط في أغلبها ببرامج منخرطة في الشأن العام وتحتل صدارة الاهتمام، وإذا علمنا أنّ عددا كبيرا من السياسيين الفاعلين حزبيا اليوم، مرّوا من الجمعيات الحقوقية وشبكات المواطنة. وفي ظلّ وجود العشرات من الجهات الأجنبية المانحة والسخيّة لا تتوفّر معلومات إن كانت تلك الجهات تطلب من الجمعيات مضمونا معيّنا للأنشطة شرطا للتمويل، أو تفرض شروطا قبل اتفاقية التمويل تعطيها صلاحية توجيه الأهداف، حسب قوة الضغط المستفيدة من التمويل، بشعارات الحريات الأكاديمية والشبكات الحقوقية الكونية والتنظيمات العمالية الدولية وحرية التعبير والإبداع وإنسانية الفنّ. وتنعكس قوة المال الأجنبي في أرصدة الجمعيات على أنشطتها الباذخة التي تحظى بالتغطية الإعلامية الواسعة لمضامينها وللشخصيات القيادية الفاعلة.

الصحافة الاستقصائية

مثّلت الأعمال الصحفية الموصوفة ضمن النوع “الاستقصائي” توجها مهنيا جديدا في الساحة الإعلامية التونسية، وقد استخدمت الأعمال الأولى التي ظهرت تحت هذا العنوان منذ سنة 2012 برعاية منظمات تدريب عربية وأوروبية، لإنجاز ملفات محرجة للمؤسسة الأمنية ووزارة الخارجية، ثم انخرطت بعض الأعمال في جمع الوثائق والملفات المتعلقة بحالات يشتبه في كونها فساد مالي، منها ما يرجع إلى ما قبل الثورة ومنها ما نشأ بعد الثورة. وقد تم استخدام هذه الملفات بدرجة ارتباطها بشخصيات حكومية أو حزبية، وهو ما أحدث حالة من الإرباك في كثير من الحالات. وارتبط إنجاز بعض الأعمال بتعاون من بعض السياسيين، أبرزها ما كشف عنه من تعاون شق محمد عبّو في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية سنة 2012 في ما وصف بقضية الشيراتون المتعلقة بوزير الخارجية رفيق عبد السلام، بتسريب فاتورة خلاص استخدمتها مدوّنة لصياغة قصّة إخبارية مثيرة.

نقابة الصحافيين

تمتلك نقابة الصحافيين القدرة على توجيه المضامين الإعلامية، بعنوان انضباط المنخرطين لمواقف المكتب التنفيذي المنتخب، وكذلك في إطار واجب التضامن الصحفي. ويمكن في هذا الصدد التذكير بتحركات النقابة في جانفي 2012 ضد التعيينات الحكومية على رأس المؤسسات العمومية والمصادرة، والإضراب العام والمقاطعة الجزئية لأنشطة وزارات، وما يتخلل ذلك من شعارات ومضامين ترويجية للتحركات في الفضاء الإعلامي.

ويشار أيضا إلى مواقف أخرى للنقابة تقييما لآراء الأحزاب في القوانين المعروضة للمصادقة والمتعلقة بالحريات والإعلام، وكذلك التحالفات التي تعقدها النقابة مع منظمات محلية ودولية لفرض مطالبها.

ومثّلت المراصد التي أنشأتها النقابة، فيما يتعلق بالحريات وبأخلاقيات المهنة وغيرها، عوامل ضغط على الصحافيين وعلى المؤسسات، رغم طابعها التعديلي الضروري، وتفصح التقارير المنشورة دوريا عن خطاب سياسي واضح للنقابة تقييما للمشهد الوطني والحزبي والفاعلين والمضامين السياسية. لكنّ المراصد أيضا، وسائل مهنيّة قادرة على تقويم الأداء الإعلامي.

الهيئات التعديلية

أضاف المجلس الوقتي للصحافة هيئة تعديلية إضافة إلى “الهايكا”. وتمتلك الهيئات التعديلية سلطة عقابية تصل إلى سحب التراخيص. كما أنّ صلاحية منح التراخيص، في حدّ ذاتها، تُعدّ أداة ضغط.

ويمكن لهذه الهيئات أن تتحكم في الموارد المالية للمؤسسات سواء بأعباء الغرامات (الهايكا)، أو التدخل في مقاييس توزيع الإشهار (مجلس الصحافة). وتخوّل النصوص المنظمة لهذه الهيئات التدخل عبرها للضغط ولإنصاف الضحايا أيضا.

المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية

يتعرض الصحافيون إلى محاذير كثيرة في التعامل مع هذه المؤسسات التي تتجاوز، بعضها، صلاحياتها، في مناسبات كثيرة وتفرض على الصحافيين والمؤسسات تدابير استثنائية وعراقيل لظروف العمل وإنتاج المضامين.

مؤسسات سبر الآراء

أظهرت نتائج سبر الآراء وقيس المشاهدة أنّ هذه المؤسسات قادرة على التأثير في صورة المؤسسات الإعلامية وفي مواردها المالية، والمثال الأبرز على ذلك الجدل بين قناة “التاسعة” وشركة “سيغما” في موسم شهر رمضان 2017.

موارد الإعلانات

تمثل الإعلانات المورد الأساسي لضمان بقاء المؤسسات الإعلامية الخاصة، أمّا المؤسسات العمومية فمواردها ميزانية الدولة والضريبة الموظفة على فواتير الكهرباء والغاز. وتُظهر الأرقام حجما كبيرا للأموال الموزعة في سوق الإعلانات، بلغ 220 مليون دينار سنة 2015 و 219 مليون دينار سنة 2016.

وحازت القنوات التلفزية 61 بالمائة من حصة الإشهار بقيمة 135 مليون دينار سنة 2016، تليها الإذاعات بمبلغ 34 مليون دينار ثم الصحافة المكتوبة (19,8 مليون دينار) والانترنت (7 مليون دينار). وأنفق مبلغ 22 مليون دينار على اللافتات الإشهارية.

1- عائدات الإعلانات في مؤسسات الإعلام السمعي البصري:

أ- القنوات التلفزية

تتوزع المساحات الإعلانية على القنوات التلفزية والإذاعات بشكل متفاوت تتحكم فيه مؤسسات قيس المشاهدة التي تحدد اختيارات المستشهرين. وتبلغ سوق الإعلانات ذروتها في شهر رمضان، حيث قدرت عائدات الإعلانات في رمضان 2015 بـ28,7 مليون دينار، مقابل 106 م د موزعة على باقي الأشهر.

وتستعد القنوات التلفزية التونسية لشهر رمضان بشكل استثنائي بالإنفاق على إنتاج برامج هذا الشهر لرفع نسبة مشاهدتها واستقطاب الإعلانات. وقد لحقت قناة “التاسعة” خسائر فادحة بتقلص مساحات الإعلانات الممنوحة لها في موسم رمضان 2017، واعتبرت إدارة القناة أنّها استهدفت من مؤسسات قيس المشاهدة. وبيّنت أرقام سنة 2016 الترتيب الآتي للمؤسسات المدعومة بعائدات الإعلانات:

1) نسمة 34 بالمائة/ 2) الحوار التونسي 20 بالمائة/ 3) التاسعة 20 بالمائة/ 4) حنبعل 11 بالمائة/ 5) الوطنية الأولى 8 بالمائة/ 6) تونسنا 2,7 بالمائة/ 7) الوطنية الثانية 0,9 بالمائة.

ب- الإذاعات

تتصدّر إذاعة موزاييك سوق الإعلانات بحصة 14,2 مليون دينار تليها جوهرة اف ام (8 مليون دينار) ثم ابتسامة اف ام IFM (6 مليون دينار) وشمس (3,7 مليون دينار) واكسبرس اف ام (2,6 مليون دينار).

وتكشف هذه الأرقام أنّ مساحة الإعلانات ترتبط أيضا بالخط التحريري، فرغم أنّ إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم تأتي في المرتبة الثانية من حيث نسب الاستماع فهي لا تحوز على حصة الإعلانات المناسبة.

ج- الإعلانات في الصحافة الورقية

لا يختلف مقياس توزيع الإعلانات على الصحافة الورقية عن الإعلانات السمعية البصرية خاصة فيما يتعلق بالإشهار للخواص، أمّا الإعلانات العمومية فتخضع لطلب العروض ولا يخضع للشفافية، كخضوعها للعلاقات الشخصية وتوظيف الخط التحريري. وتستقطب الصحف اليومية أغلب الإعلانات تليها المجلات ثم الأسبوعيات. ويفسّر ذلك عوامل اختفاء صحف والصعوبات التي تعرفها أخرى اليوم.

غرف تحرير وغرف توجيه

تتنوع أدوات الضغط والتوجيه في الفضاء الإعلامي، بما جعله سوقا يتنافس عليه المتنافسون في تحصيل الأدوات القابلة للتوجيه. وتجدر الإشارة إلى أنّنا لا نروم من هذه القراءة الطعن في هذا المشهد إذ أنّه حتى في الدول الديمقراطية العريقة تنشط القوى في الظاهر وتعلن المؤسسات عن اصطفافها دون خجل، وتفصح عن دعمها للطرف الذي اختارته، دون أن تدّعي الحياد، وذلك ما نفتقده عندنا حيث تعمل قوى معروفة، بشكل خفيّ لإدارة توجهات الرأي العام وشنّ حملات التضليل والدعاية، وغيرها من المضامين التي تصبّ في صالح أجندات داخلية وحتى خارجية في المناسبات الانتخابية وعند الأزمات.

وقد لوحظ منذ سنوات قليلة أنّ بعض الشخصيات والأحزاب لجأت إلى فضاء التواصل الاجتماعي لتدير بنفسها صفحات “مدفوعة” للتوقي من التضليل والاستهداف، ولترميم الصورة التي تآكلت في الإعلام التقليدي، ولإكمال ما نقص من مضامين “قصّر” الإعلام في تغطيتها، وغير ذلك مما يتيحه الفضاء الأزرق بكل حرية. ولكن ذلك قد تكون له حدود في الفترات الانتخابية لم تضبطها هيئة الانتخابات سابقا، وستجد نفسها مضطرّة لذلك إن تحوّل “الفايسبوك” إلى ساحة انتخابية موازية.

 

Avant Première

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *