الغنوشي الوجهُ الأخرُ لبورقيبة!.. بقلم أحمد الفيتوري

• 1)

المجاهد الأكبر والرئيس مدى الحياة، الثابت كزعيم مُطلق وصاحب الرأي الأول والأخير منذ تبوأ الزعامة حتى أرذل العمر، هذا هو الحبيب بورقيبة المُتحول مع الريح يذهب أينما تشتهي، وهذا جوهر هذه الشخصية الكاريزمية التاريخية في المنطقة الذي أيقونته فيها زعيم انبثق مع مطلع القرن العشرين ، وأحدث انقلابا مازالت آثاره تصدع الأرض إلى الساعة : أتاتورك ، أب تركيا الحديثة وفيصل في فصل حداثتها.

بورقيبة كما أتاتورك زعيمان تطرفا في اتجاه أن يكونا مُحدثين وكما لا مثيل لهما، أتاتورك الطوراني أنتج نقيضه الإسلام السياسي التركي المنحى ما كان شبيها لنقيضه في كل خصيصة قومية وفي التفرد والطغيان فكلاهما يستمد جذوره من “الاستانة”، أما بورقيبة فأراد أن يكون الزعيم الأوحد لبلاد منزوعة من محيطها، ومفردة كالبعير ومن هذا الخضم تمخضت تونس فولدت “الغنوشي”، أي كما أن الحركة الوطنية اختزلت في “المجاهد الأكبر” اختزل الإسلام السياسي التونسي في “الغنوشي” الوجه الأخر لـ “بورقيبة”، والمُماثلة حتى على مستوى النموذج ولهذا نجد “أردوغان” واسلامه السياسي نموذجا لـ “الغنوشي”، “الغنوشي” الذي يروج الساعة، أن حركته المُسماة “النهضة” كحزب ستختص بالسياسة بنهج إسلامي، وسيختص بالجانب الدعوي ما أنشئت الحركة من مؤسسات مجتمع مدني، يأذن في القيروان وعينه على باريس.

• 2)

زعيم النهضة التونسية يقوم بتونسة اسلامه السياسي وفي هذا ينسج على منوال بورقيبة، الحبيب بورقيبة من تونس الحركة الوطنية التي كان يتزعمها في وقت كانت حركات التحرر فيه تجنح أن تكون قومية أو عالم ثالثيه أو أممية، وكرجل قانون تخرج من فرنسا جابه فرنسا بأساليب قانونية مستمدة من قيم الثورة الفرنسية، وبهذا لم ينشغل بقطع حبل السرة ما يربط فرنسا بمستعمراتها، ثم أنه رأى نفسه وجعل منها أبا لأمة من صلبه خلقت وعلى يديه ترعرعت.

الغنوشي التمثال المنسي في طين البورقيبية أي الخصوصية التونسية في بعدها الحضاري الديني واللغوي، أي روحها ومحيطها ما انتزع من تونس بإرادة “المجاهد الأكبر” هذه الايقونة التي كُنَ بها زعيم التحرير الوطني التونسي، لكن هذا البعد الأضعف في أولويات “المجاهد الأكبر” وكذا عند حركة النهضة التونسية عند راشد الغنوشي من هاجسه أن يكون المجاهد الأكبر أو أن يكون الوريث، البُعد الأقوى هو البعد الشخصي فـ “الحبيب بورقيبة” هو تونس وتونس هي “الحبيب بورقيبة” من لم يفكر في غير ذلك مطلقا ولم يعتقد في غير هذا المعتقد بالفعل وبالقوى، ولأجل هذا لون تونس بكل ما تلون به من أجل أن يبقي “الرئيس مدى الحياة” وما بعدها ان أمكن، ولهذا كان حتى اشتراكيا حين لزم.

هذه هو المقام والهدف الأسمى للغنوشي مقام الحبيب بورقيبة بكل تعلاته، وما يظهر من تباين هو في الوسائل وما بينهما من مشترك هو في لزوميات الزعامة، والغنوشي في مقام التلميذ في هذا وكما لم ينشغل بورقيبة بالأيدلوجيا فإن حقيقة الغنوشي تسطع بهذا لكن باعتباره الطامح في الوراثة فإنه يعرف أن ليس لبورقيبة نظرة ولا نظرية لتورث ولكن ثمة أسلوب متفرد في التفرد في أن يكون المرء زعيما بالخروج عن أُطر الزمان والمكان المهيمنين، ولو لم يعمل بورقيبة على ذلك لكان مجرد ظل لزعيم المرحلة جمال عبد الناصر أو كان شخصية تقليدية كالحسن والحسين ملكي مرحلة التحرر الوطني “الرجعيين” كما كانا يوصفا، هنا كان “الغنوشي” تلميذا مُجدا لزعيم بلاده من لم يُؤسس مدرسة في السياسة لكن مارس أسلوباً ممنهجا من أجل السلطة.

أعتقد أن راشد الغنوشي قد اتخذ من الإسلام السياسي طريقة نحو هدف سيكولوجي تضمره النفس الطامحة المدفونة في العقل الباطن والتي ترغب وتطمح في وراثة من يبان كعدو، واعتقد أن هذا هو ما جعل من الغنوشي مُختلفا عن كل قادة الإسلام السياسي في تونس والمنطقة، وما جعله البراجماتي الاجرائي والسياسي البراجماتي، وفي هذا أمكنهُ أن يُضيف كما رأينا من سيرته منذ بزوغ نجمه وحتى سطوعه مع الربيع العربي ولم يُضف في الفكر شيئا مُهما كما فعل في العمل السياسي، وكما بورقيبة “أتاتورك” العرب” فإن الغنوشي “أردوغانهم”.

راشد الغنوشي المُسترشد بطريقة الحبيب بورقيبة يدقُ باب “قصر قرطاج”، ولسان حاله: لقصر قرطاج باب بكل يدٍ مُضرجة يدق، وانه بأساليبه المُبتدعة يردد مع المتنبي: أنامُ ملء جُفوني عن شوارِدها… ويسهرُ الخلقُ جرّاها ويختصم.

أحمد الفيتوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *