الدينار يتهاوى وأهل الحل والعقد «خارج الخدمة»! .. بقلم جنات بن عبد الله

تزامن انعقاد المؤتمر العاشرة لحزب حركة النهضة يوم الجمعة 20 ماي 2016 مع تدهور كبير لقيمة الدينار التونسي امام العملة الاوروبية الاورو بنسبة ٪3 ليبلغ سعر صرف الدينار 2.3 مقابل الاورو. وحسب الخبراء الماليين فان الدينار التونسي مرشح لمزيد التدهور ليصل سعر صرفه في الايام القليلة القادمة إلى مستوى 2.5 دينار.
ما يشهده الدينار التونسي هذه الايام من تدهور متواصل يدعو الى مساءلة البنك المركزي التونسي عن دوره في الحفاظ على استقرار العملة الوطنية رمز السيادة النقدية والوطنية. فهذا التراجع جاء تحت انظار البنك المركزي الذي رفض هذه المرة على عكس ما قام به في شهر جانفي الماضي، التدخل لتعديل التوازن بين العرض والطلب.
في هذا السياق تساءلت عديد الاطراف عن الاسباب التي دفعت البنك المركزي الى التعامل بهذه الطريقة مع مستجدات سوق الصرف في الوقت الذي كان من الافضل ان يتولى الاعلان عن قرار التخفيض الارادي عوض ترك الصرف يتحرك تحت لواء المرونة التي يدعو اليها صندوق النقد الدولي في بيانه الاخير الصادر بتاريخ 20 ماي عن مجلسه التنفيذي الذي وافق على عقد اتفاق ممدد مع تونس بقيمة 5.6 مليار دينار حيث تنص الفقرة المتعلقة بذلك على :«ومن شأن تعزيز استقلالية البنك المركزي ان يدعم فعالية السياسة النقدية، بينما ستؤدي زيادة مرونة سعر الصرف الى تعزيز الهوامش الوقائية وتيسير تصحيح المركز الخارجي».
تدهور قيمة الدينار التونسي يعكس اختلال التوازنات الخارجية والداخلية ويترجم وضعا متأزما للاقتصاد التونسي في الوقت الذي لازالت فيه الاحزاب السياسية في تونس وحكومة الائتلاف تتغنى بالانجازات وتعيش تحت الافكار البالية والتوجهات الخاطئة وخيارات خارج سياق التاريخ والجغرافيا. ورغم تزامن تدهور سعر صرف الدينار امام الاورو فقد جانب مؤتمر حزب حركة النهضة وبالتحديد اللائحة الاقتصادية والاجتماعية تحديات الراهن والآني وعوض الإعلان عن حالة طوارئ، ودق ناقوس الخطر فضل اغلبية المؤتمرين الحديث عن الاقتصاد الاجتماعي التضامني وتجاهل التحديات الحقيقية لواقعنا الاقتصادي الذي اصبح يتسم بتدمير مواطن الشغل في ظرف يتسم هو ايضا بتفاقم نسبة البطالة وخاصة في صفوف خريجي الجامعات، وبتفاقم نسبة الفقر والتهميش الجهوي.
وفي بيانه الصادر يوم 20 ماي 2016 أعلن صندوق النقد الدولي عن برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي الذي ستطبقه تونس ومن خلال حكومة الائتلاف ومجلس نواب الشعب مقابل الحصول على قرض بقيمة 5.6 مليار دينار. ويدعي البيان ان السلطات التونسية وضعت برنامجا اقتصاديا شاملا جديدا يدعمه اتفاق ممدد لمدة اربع سنوات بموجب تسهيل الصندوق الممدد لمعالجة مواطن الضعف المتبقية.
بيان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي استعمل نفس الشعارات والمصطلحات التي رفعها الصندوق في سنة 1986 لتفسير الاسباب التي ادت الى تطبيق برنامج الاصلاح الهيكلي للاقتصاد التونسي الذي ولئن نجح ظاهريا في اعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي فان كلفته الاجتماعية كانت باهظة ومرتفعة حيث تم ضرب المرفق العام والخدمات العمومية في مجالات مثل الصحة والتعليم والنقل. كما ان برنامج الاصلاح الهيكلي ولئن نجح ظاهريا ايضا في استقطاب الاستثمار الاجنبي المباشر فقد دمر في المقابل نسيجنا الصناعي الذي استهدفته اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي لسنة 1995 لندخل القرن الحادي والعشرين باقتصاد فاقد لنسيجه الصناعي الذي يشكل محور التنمية والنمو الاقتصادي.
حزب حركة النهضة يعقد مؤتمره العاشر وسط اجواء احتفالية ضخمة من ناحية الشكل والمضمون ايضا، الا ان هذا المضمون ورغم المراجعات الفكرية الكبرى التي انخرط فيها فان محوره الاقتصادي بقي سطحيا ليقفز عليه صندوق النقد الدولي من جهة والاتحاد الاوروبي من جهة اخرى ويجد نفسه بين فكي، قوى النيوليبرالية الضاربة للسيادة الوطنية والدولة الوطنية.
اننا نمر اليوم بمقدمات سنة 1869 تاريخ الاعلان عن وضع تونس تحت الوصاية المالية العالمية ولكن هذه المرة بمباركة مجلس نواب الشعب وانخراط اغلب الاحزاب السياسية التي يتوقف دورها على اضفاء الشرعية على مشاريع القوانين ومشاريع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
الاتحاد الاوروبي يحتفل هذه الايام بمرور 40 سنة على اتفاق التعاون المبرم في سنة 1976 بين تونس والمجموعة الاوروبية انذاك ليدعم من خلال هذا الاحتفال الذي ترجمه الى ندوة تحت شعار «ايام اوروبا» تنعقد بتونس ايام 24 و25 و26 ماي الجاري تديرها وتشرف عليها سفيرة الاتحاد الاوروبي بتونس لاورابائيزا اخترقت من خلال محاورها تفاصيل سيادتنا الوطنية في كل المجالات بترحيب وتزكية حكومة الائتلاف الحاضرة في هذه الندوة التي حرص منظموها على فتحها امام العموم لتحسيس الجميع بجلالة التعاون الذي يشهد هذه الايام تعميقا من خلال جمع التزكيات لإقرار مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق الذي يعتبر مدخلا اخر لضرب سيادتنا وقرارنا الاقتصادي.
لقد نبهت عديد الاطراف الوطنية الصادقة الى خطورة ما يحبك على انظار الجميع من ضرب لسيادتنا المالية وسيادتنا النقدية وسيادتنا الاقتصادية الا ان الحكومات المتعاقبة بعد الثورة وحكومة الائتلاف الحالية اختارت الوقوع في فخ السلطة وبكل ارادتها لتمهد وبطريقة شرعية للاستعمار الحديث للسيطرة على كل مفاصل الاقتصاد الوطني.
لقد مهدت القوى الليبرالية او القوى الاستعمارية الجديدة لمرحلة ما بعد الثورة للاستحواذ على مواقع القرار في ظل ضعف النخب السياسية وهوسها بالسلطة لتمرير برامجها ومشاريعها التي تتضارب مع اولوياتنا التنموية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *