الدكتور محمد النوري : ادراج التعامل بالصكوك في ميزانية الدولة سيذلل الكثير من العقبات


أثار مشروع ميزانية الدولة لسنة 2021 جدلا واسعا في ظلّ صعوبات خطيرة تمر بها البلاد على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وتقدمت العديد من الكتل والخبراء بمقترحات لتطوير وتعديل المشروع.
الخبير الاقتصادي الدكتور محمد النوري يجيب هنا على بعض أسئلتنا وهواجس الرأي العام ويقدم رؤيته لتجاوز ما سجّل من نقائص في هذا المشروع:
دكتور كيف تفاعلت مع أفكار ومقترحات نواب البرلمان في مناقشة مشروع ميزانية الدولة؟
– في الحقيقة لم أتابع كل المداخلات ولكن من خلال ما استمعت اليه يغلب الطابع السياسي بل السياسوي على الجانب الاقتصادي والمالي الصرف الا ما ندر.
ربما يعود ذلك لقلة النواب الذين يحملون ثقافة اقتصادية ومالية وربما أيضا لأن مناقشة الميزانية تحول إلى مسألة روتينية تعيد انتاج نفس الأرقام ولا تعكس الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد خصوصا في ظل هذه الأزمة المزدوجة التي إجتمعت فيها المعضلات الهيكلية المزمنة مع التداعيات غير المسبوقة لجائحة الكوفيد
لكن على كل نأمل أن يستوعب نوابنا الدرس بمناسبة مناقشة هذه الميزانية وأن يقدموا منهجية بديلة لمناقشة الميزانيات في المستقبل يكون فيها ارتباط وثيق بين الميزان الاقتصادي الذي تعده وزارة الاقتصاد والميزانية التي تعدها مصالح وزارة المالية والتي من المفترض أن تتسم بحد أدنى من التناغم والانسجام.
هناك طلب من عدة كتل بتعديلات جوهرية على مشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية لسنة 2021 كخبير اقتصادي ماهي أهم التعديلات التي يمكن ادخالها على المشروع الحالي؟
– أهم التعديلات التي يستوجب اجراؤها على المشروع الحالي تتمثل في التالي:
تعديل قدر الامكان الفرضيات الأساسية التي تم على أساسها إعداد هذا المشروع لأنه لا جدوى من الابقاء عليها مع اضمار اللجوء إلى مراجعتها في نهاية العام في إطار الميزانية التكميلية التي تحولت الى تقليد ثابت في ميزانيات حكومات ما بعد الثورة. والمقصود هنا تحديدا فرضية نسبة النمو وفرضية سعر برميل النفط وفرضية نسبة الاستخلاص الجبائي، وكلها فرضيات في مشروع الميزانية لا علاقة لها بالواقع:
ففرضية النمو المقدرة ب 4% كمعدل نمو حقيقي و9% كمعدل نمو نسبي فضلا على عدم واقعيتها وقفزها على الواقع المرّ الذي تشهده البلاد من انكماش غير مسبوق يقدر نهاية هذا العام ب 7,3% سلبي، فإن هذه النسبة تستبطن معدل تضخم أيضا غير واقعي ب 5% بينما هو اليوم في مشروع الميزانية نفسه مقدر ب 5,4% دون احتساب الآثار التضخمية التي يمكن أن تنجر عن التمويل المباشر من البنك المركزي المنتظر والمقدر ب 3,5 مليار دينار وهو ما يعني أن نسبة التضخم سترتفع بما لا يقل عن 1% لتبلغ في النهاية 6,4% وليس 5% كما يضمره المشروع.
أما الفرضية المتعلقة بسعر البرميل من النفط والمقدرة ب 45 $ فيكفي الرجوع الى تقديرات منظمة الأوبيك بخصوص أسعار النفط للعام القادم والتي تقدر ب 65$ لادراك الفجوة في التقدير.
وأما نسبة استخلاص المستحقات الجبائية فيكفي أيضا العودة لحصيلة العام الجاري للوقوف عند البون الشاسع بين الممكن والمأمول.
لماذا بقي قانون الصكوك 7 سنوات حبرا على ورق ولم يدرج في هذا المشروع رغم اعتماده في دول كثيرة؟
– هذا مطروح على مجمل النخبة الوطنية بشتى اتجاهاتها وقناعاتها ومشاربها الفكرية وأخص بالذكر النخبة السياسية والاقتصادية التي من المفترض أن تكون حريصة كل الحرص على البحث على موارد تمويلية بديلة عن اكراهات التسوّل وسياسات الإذعان للمؤسسات المالية الدولية التي تتفاقم مخاطرها يوما بعد يوم من جراء الاستمرار الممنهج في خيار اللجوء إلى الاقتراض والمزيد من الاقتراض لسد الفجوة المالية المتراكمة للبلاد التي بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة.
السؤال المحير هو لماذا تخلفت تونس عن استخدام هذه الأدوات المتطورة وتحديدا الصكوك الإسلامية في الوقت الذي تطبق هذه الآلية في أكثر من 40 دولة في العالم من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء؟
ما هي الأسباب الجوهرية التي أعاقت هذه التجربة في ظل حاجة البلاد الماسة الى تنويع مصادر التمويل والتي لا يختلف حولها إثنان؟
لماذا أنجزت بلدان غربية وأوروبية وآسيوية وحتى افريقية ومغاربية نجاحا في هذا المجال وتوقفت العربة التونسية طويلا في محطة الانتظار وهي السابقة للبعض من تلك الدول في سنّ أول قانون لإصدار الصكوك منذ جويلية 2013 ولكن ظلّ هذا القانون حبرا على ورق، برغم بعض المحاولات القصيرة في تنزيله ونفض الغبار عليه؟
تمثل الأهمية الاقتصادية للصكوك في كونها من أنجع الوسائل لجذب المدّخرات الحقيقية وتعبئة الموارد وتجميع الأموال اللّازمة، لتمويل مختلف المشروعات التنموية والحيوية ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية وبطرقٍ مشروعة. وهي وسيلة فعالة لعلاج التضخم والكساد الاقتصادي وهي أيضا من السياسات النقدية الناجحة التي قد تتبعها الدولة في امتصاص السيولة من السوق الموازي بالإضافة الى دورها في تمكين البنوك والمؤسسات المالية عموما والإسلامية خصوصا كشركات التأمين وصناديق الاستثمار، من توظيف الفائض لديها في الصكوك ، وإن احتاجت للسيولة تقوم ببيعها في السوق الثانوية وبالتالي هي وسيلة مجدية لإدارة موجودات تلك البنوك والمؤسسات المالية. كما أنّها تعتبر من الأدوات المالية الإسلامية التي استطاعت أن تكتسح السوق المالية العالمية وتجد لها مكانة هامّة ومميّزة في حيز زمني وجيز.
وللصكوك دور كبير في معالجة العجز في الميزانية العامة للدولة والتقليص من المديونية والاعتماد على الاقتراض وذلك لأنها تعطي الفرصة لكل أفراد المجتمع لسد الاحتياجات التمويلية اللازمة لدعم الميزانية العامة فيمكن للدولة أن تصدر صكوك بأنواعها المختلفة لاستثمار حصيلتها في المشاريع المدرة للدخل والربح وبالتالي تخفف الحمل علي ميزانيتها سواء تمت بالعملة المحلية في اتجاه تحريك الادخار الوطني وامتصاص السيولة أو بالعملة الأجنبية في اتجاه استقطاب الاستثمار الأجنبي وجذب أموال المقيمين بالخارج . وتساهم أيضا الصكوك في القضاء على البطالة والأموال المعطلة حيث تعمل على زيادة مستوى تشغيل الأموال العاطلة بما يحقق رغبات المستثمرين والمدخرين.
ان السبب الأول والأخير هو غياب الإرادة السياسية: نعم نقولها وبكل وضوح ليست هناك إرادة سياسية حقيقية على مدار السنوات السبعة التي مرت على تاريخ إصدار هذا القانون، وفي مختلف الحكومات المتعاقبة بدءا بحكومة الترويكا الأولى التي وإن كان يعود لها الفضل في الدفع بصدور القانون الى جانب القوانين الأخرى المتعلقة بمنظومة التمويل الإسلامي، إلا أنها لم تفلح في التقدم خطوة أخرى نحو تذليل العوائق الترتيبية لاستكمال الجوانب العملية لتنزيل المشروع في الواقع.
كما أن الحكومات المتتالية الأخرى وان عبر البعض منها على شيء من الاهتمام بالموضوع والتقدم به نحو التطبيق إلا انها لم تتسلح بالمنهجية الملائمة ولم تحسن اختيار الخبرات المؤهلة لإحداث النقلة المطلوبة. وقد مثل ادراج الصكوك كبند من بنود ميزانيات الدولة منذ 2014 الى 2019 شكلا من أشكال التمني بالإنجاز أكثر منه وعيا بشروط الإنجاز ومتطلباته، ولم يكن في حالات أخرى سوى شعارا للاستثمار السياسي وتنصلا من مسؤولية التنفيذ.

 

تونس: جريدة الفجر
حوار: محمد الفوراتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *