الخلفية الاقتصادية لحكومة الوحدة الوطنية…تونس في قبضة المحور الأوروبي-الأمريكي .. بقلم جنات بن عبد الله

بعد مخاض بدا عسيرا، بفضل حبكة مخرج مسرحية تشكيل حكومة وحدة وطنية تم يوم السبت 20 أوت 2016، رفع الستار على أسماء أعضاء هذه الحكومة التي مهد لها رئيس الجمهورية الطريق بشعارات تصب خلفياتها في مستنقع التبعية المفرطة واللامشروطة لمحور أجنبي أحكم السيطرة على مفاصل هذه الدولة.
ففي بلد مثل تونس دخل منطقة اللااستقرار لأسباب داخلية وخارجية تخفي مصالح أطراف هدفها امتصاص خيرات هذا الشعب، يصعب تقديم قراءة اقتصادية لهذه الحكومة على أساس هيكلتها وأسماء أعضاءها للوقوف على ما يمكن أن تقدمه لشعب يتابع لحظة بلحظة احتضار ثورة قامت لإسقاط نظام دكتاتوري وإرساء ديمقراطية ناشئة تراعي تضحياته وتعمل على تحقيق تطلعاته في حياة كريمة وامنة.
ومباشرة بعد الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة تأكد المواطن العادي من أنه كان ضحية مغالطات ممنهجة تعمدت التركيز على فشل حكومة الصيد لتسحب منها الثقة واستغلال ذلك كواجهة صممتها الأطراف التي تقف وراء مسار يطلق عليه بالانتقال الديمقراطي لمزيد ضمان مصالحها والقطع مع كل محاولة تغيير تخدم مصلحة هذا الشعب.
خيوط اللعبة السياسية للسيطرة الاقتصادية والمالية بدأت منذ الأيام الأولى من ثورة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 حيث بقيت هذه الأطراف تترصد التوقيت الذي يؤمن لها في اطار الشرعية الانتخابية والأرضية القانونية عودتها لهذا البلد للاستحواذ على خيراته من باب مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق بين الجمهورية التونسية والاتحاد الأوروبي وتوصيات صندوق النقد الدولي الذي يوجد مقره بواشنطن وتديره شخصية فرنسية تحركها مصالح الشركات العالمية للهيمنة على البلدان التي تم اغراقها في مستنقع اللااستقرار.
واليوم وبعد الإعلان عن تشكيلة الحكومة تكون هذه الأطراف قد أكملت مهمتها لتستعد لجني ثمار مخططاتها بفضل وزراء في حالة غيبوبة أو هم يتعمدون تجاهل خلفية تسميتهم للتباهي أمام الأصحاب والأقارب والأعداء على حساب هذه الأرض الطيبة التي ضحت من أجلها أجيال وأجيال من أجل التنعم بلحظة تاريخية كاملة السيادة. مرحلة حكومة الوحدة الوطنية هي مرحلة اقتصادية بامتياز حيث استكمل المحور الأوروبي-الأمريكي التأسيس لكل أركانها.
فمشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق الذي سيتم بمقتضاه تحرير قطاعي الفلاحة والخدمات الى جانب الاستثمار قد صادق عليه مجلس نواب الشعب في إطار وثيقة المخطط الخماسي للتنمية وشرع في تنفيذه في إطار ميزانية الدولة وقانون المالية منذ الثورة الى اليوم. كما أن الإصلاحات الاقتصادية والمالية قد انطلقت حكومة الصيد في تنفيذها بكل أمانة وحزم يوم 18 ماي 2016 تاريخ تخلي البنك المركزي التونسي عن حماية الدينار الذي انهار ليكون وقود اشتعال الأسعار والعصا الغليظة التي يتم بها ضرب المقدرة الشرائية للمواطن ومنظومة الإنتاج بصفة عامة.
طبيعة هذا المخطط والفرضيات التي صمم على أساسها سيؤدي الى احتقان اجتماعي لن تخرج منه تونس باعتباره يشكل الدرع الذي تحتمي به الأطراف التي يحركها المحور الأوروبي-الأمريكي والمناخ المناسب لمواصلة ضرب السيادة الوطنية ونهب ثرواتنا. فبرنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي التزمت بها الدولة التونسية في رسالة النوايا التي بعث بها محافظ البنك المركزي، الذي سيواصل مهامه، ووزير مالية حكومة الصيد، الذي سيجازى من قبل المحور الأوروبي-الأمريكي يوم 2 ماي 2016 هو نفسه الذي جاء في وثيقة قرطاج ووقع عليه الاتحاد العام التونسي للشغل الذي دخل في هذه المرحلة المعترك السياسي من خلال حقيبتين وزاريتين يمسك بهما كل من محمد الطرابلسي وعبيد البريكي.
لقد ضمن المحور الأوروبي-الأمريكي بحكومة الوحدة الوطنية مجلة استثمارات تحمي مصالح المستثمر الأجنبي وخاصة الفرنسي لامتلاك الأراضي الفلاحية بفضل الفصل الخامس من مشروع المجلة. كما ضمن مزيد استحواذ المستثمر الأجنبي على قطاع الطاقة والمناجم والاستيلاء على الشركات العمومية الاستراتيجية وفي مقدمتها الشركات الخمس المنصوص عليها في مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية المرفقة لرسالة النوايا وهي الشركة التونسية للكهرباء والغاز وشركة الخطوط التونسية وشركة تكرير النفط “ستير” والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد وديوان الحبوب تحت تسميات جديدة مثل فتح راس المال لشريك استراتيجي بعيد عن مصطلح الخصخصة الذي تم استعماله في إطار برنامج الإصلاح الهيكلي في سنة 1986.
في المقابل ستكون هذه الحكومة العصا الغليظة لضرب كل محاولة احتجاج أو مطلبية بتحسين المقدرة الشرائية والزيادة في الأجور باعتبار أن هذه الحكومة هي مكلفة من قبل صندوق النقد الدولي بتطبيق برنامج الإصلاحات الذي يقوم على تجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية لمدة ثلاث سنوات وإعادة هيكلة الوظيفة العمومية من جهة، والضغط على ميزانية الدولة من خلال الضغط على كتلة أجور الموظفين العاديين دون المس بامتيازات وزراء الحكومات السابقة من جهة أخرى.
كما أن هذه الحكومة هي مكلفة بمواصلة تهميش القطاع الفلاحي لتدميره نهائيا والقضاء على كل محاولة مقاومة لفتح الباب أمام المفاوض الأوروبي لفرض شروطه والهيمنة على القطاع في الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات الفلاحين الأوروبيين الرافضة لمنطقة التبادل الحر بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. في هذا السياق واصلت حكومة الصيد التمهيد للواقع الجديد من خلال افتعال قضية الماء وعدم التحرك لمعالجة الامراض التي أصابت الماشية والغلال والخضر لفتح الباب أمام مزيد التوريد بعملة وطنية منهارة بما يفتح الباب عن مصراعيه لمزيد توريد البذور المحورة جينيا والتي يدافع عنها رئيس حكومة الوحدة الوطنية في بحثه الذي نال به شهادة الدكتوراه حيث أبلى بلاء حسنا في الدفاع عن تحرير القطاع الفلاحي في تونس والمزايا التي يمكن أن تجنيها البلاد في التخلي عن أمنها الغذائي وسيادتها الوطنية بما يضمن القضاء نهائيا على القطاع وتكريس التبعية للخارج، مهمة سيستميت في الدفاع عليها مع وزير الفلاحة المختص في القانون.
لقد أكدت حكومة الصيد من خلال طريقة معالجتها لملف الأراضي الدولية انخراطها الكامل في برنامج الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المدافع هو أيضا على تحرير القطاع الفلاحي والاعتماد على توريد المنتوجات الفلاحية من حبوب وزيوت وغيرهما باعتبار فارق السعر المعمول به في تونس وفي الأسواق العالمية، حيث ستعمل هذه الحكومة بكل “وقاحة سياسية” على مزيد ضرب الشباب والقضاء على كل بذرة أمل له في البقاء في هذا البلد الذي تشجع طبقته السياسية وتصر على تهجيره والرمي به في قوارب الموت عوض استقطابه وادماجه في دائرة الإنتاج الفلاحي وتوظيف بحوثه التي أكلتها الرفوف وتجاوزها النسيان.
كما أن هذه الحكومة هي مكلفة بمواصلة تدمير ما يسمى بقطاع الصناعة بعد الحاق وزارة الصناعة بوزارة التجارة ومواصلة تحرير المبادلات التجارية بما يسحق نهائيا قطاعات النسيج والجلود والأحذية والميكانيك ولإلكترونيك والأدوية وكل محاولة إرساء صناعة وطنية في ظل إصرار الاتحاد الأوروبي على اعتبارنا غير مؤهلين لتطوير صناعة وطنية تستجيب لأولوياتنا التنموية وتؤمن لنا مواطن شغل.
لقد نجحت كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في زرع بذرة الموت في كل الطاقات الحية في البلاد وخاصة الشبابية منها لتواصل حكومة الوحدة الوطنية وباسم التوافق والوفاق في تهميش هذا الشعب تحت عناوين سياسية يختلقها المحور الأوروبي-الأمريكي في كل مرة ويرددها الساسة المكلفون كالببغاء ليروي التاريخ يوما أن عودة المستعمر الى تونس تم في إطار الشرعية وتحت أعين نواب الشعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *