الاتحاد الأوروبي يعبر عن أمله في نجاحها .. حكومة المشيشي على درب الحكومات السابقة .. بقلم جنات بن عبد الله

…ومرت حكومة المشيشي بأغلبية مريحة صبيحة يوم الأربعاء 2 سبتمبر 2020 وسط تبادل التهاني والقبل بين رئيس الحكومة وعدد من الأحزاب التي منحته أصواتها وحجبت عنه ثقتها.

مرور حكومة المشيشي رفع كل تخوف من تعطيل ما أرست أسسه الحكومات التي جاءت بعد انتخابات 2014 في إطار ما تم الاتفاق بشأنه في قمة “دوفيل” لمجموعة الثمانية التي انعقدت بدعوة من فرنسا في ماي 2011 بباريس لاحتواء ثورات “الربيع العربي” وجعل كل التحولات التي تشهدها شعوب المنطقة تحت مجهر القوى الإقليمية والعالمية التي تتحرك في إطار مؤسسات الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية.

في هذا السياق تأتي التهنئة التي وجهها المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بيتر ستانو والتي أعرب فيها عن “الأمل في أن تنجح حكومة المشيشي في تحقيق الاستقرار السياسي الذي تحتاجه البلاد لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية”.

هذه التهنئة لم تتوقف عند هذا المستوى بل ذكر، وهنا بيت القصيد، ذكر بحرص الاتحاد الأوروبي المتجدد على الحفاظ على شراكته المتميزة مع تونس، ومرافقة مسار الإصلاحات في البلاد.

ولئن تندرج هذه التهنئة وهذه اللفتة في إطار العلاقات الديبلوماسية المتميزة بين تونس والاتحاد الأوروبي، فإنها لا تخلو

من رسائل الى رئيس الحكومة الجديد من جهة، والى الشعب التونسي وخاصة للأطراف المنتقدة لمسار الشراكة الذي يحكمه عدم التكافؤ بين الطرفين، تونس من جهة، والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية.

فالحفاظ على الشراكة المتميزة، في ظل عدم التكافؤ، هو الحفاظ على مصالح الاتحاد الأوروبي، وفرنسا تحديدا، في تونس والتي تتناقض مع مصالح الشعب التونسي وأولوياتنا التنموية باعتبار أن أولويات الاتحاد الأوروبي في تونس هو ضمان سوق استهلاكية لسلعها ومنتوجاتها وخدماتها، وضمان سوق للتزود بالطاقة والطاقات المتجددة من خلال ضمان نفاذ الشركات الأوروبية والفرنسية خاصة للاستثمار في هذه المجالات بعد استحواذها على أغلبية المجالات الأخرى.

مرور حكومة المشيشي أعطى إشارة الانطلاق لحكومة الإنجاز، لإنجاز ما مهدت له حكومات ما بعد انتخابات 2014 وخاصة حكومة الشاهد 2 ، في مسار الانفتاح والتحرير الاقتصادي لفائدة المستثمر المحلي والأجنبي، بفضل ترسانة تشريعية وقانونية أرست كل الضمانات للمستثمر الأجنبي، للاستحواذ على المشاريع الاستراتيجية والمؤسسات العمومية بما في ذلك البنوك العمومية والتي تم التنصيص عليها والتخطيط للتفريط فيها في رسائل النوايا التي توجهت بها حكومة الترويكا في سنة 2013 وحكومة الصيد في سنة 2016 الى صندوق النقد الدولي ومنها الشركة التونسية للكهرباء والغاز وديوان الحبوب والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد الى جانب البنوك العمومية الثلاثة.

ان تعهد الدولة التونسية بما جاء في الرسالتين الأولى والثانية والثالثة لسنة 2019، التي تم توجيهها الى صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قروض منه هو محمول على حكومات يتم تشكيلها في “بيوت مظلمة” لا يعرف التونسي

معايير اختيار أعضائها ولا رئيسها لتواصل على درب سابقاتها في مسار الإصلاحات الكبرى والهيكلية التي عمقت الفجوة بين الشعب واستحقاقاته.

هذه الإصلاحات انطلق في تنفيذها منذ سبعينات القرن الماضي مع حكومة الهادي نويرة وتتلخص في تدمير كل ما تم بناؤه في العشرية الأولى بعد الاستقلال في إطار مخطط أفاق العشرية للتنمية لبناء الدولة الوطنية من مؤسسات عمومية وقطاعات منتجة والتفويت فيها لفائدة القطاع الخاص على خلفية تحرير الاقتصاد واعتماد نظام اقتصاد السوق ورفع الحواجز أمام التوريد ورفع دعم الدولة الاستثمار في القطاعات المنتجة في إطار تقليص دورها في المجال الاقتصادي.

هذا المسار الاصلاحي لم يتوقف الى اليوم ولكن أخذ أشكالا متعددة في التنفيذ ليصل مع حكومتي الصيد والشاهد أعلى الدرجات بوضع أو استكمال الترسانة القانونية المنظمة لعملية تفويت الدولة في أصولها ورهن ميزانية الدولة للبنوك المحلية والأجنبية التي ستنصب قريبا في تونس بفضل حكومة المشيشي، وسحق الطبقة المتوسطة وتفقير الشعب التونسي من خلال تفكيك الدولة الوطنية والتخلي عن التعليم والصحة والنقل …

ما تمر به الشركة التونسية للكهرباء والغاز هو نموذج لما سلط على المؤسسات العمومية من انتهاكات ممنهجة في إطار إصلاحات هيكلية عملت على اضعاف كل مقومات قوة هذه المؤسسات سواء من خلال توتير المناخ الاجتماعي أو إقرار إجراءات ملغمة على غرار دفعها الى الاقتراض من الخارج بالأورو وتحمل مخاطر سعر صرف دينار منهك وضعيف أدخل الى بيت الطاعة لبنك مركزي احتمى باستقلالية مغشوشة لضرب كل محركات النمو الاقتصادي من استهلاك واستثمار وتصدير.

صفحة جديدة تفتح مع حكومة المشيشي في مسار إصلاحات هيكلية، عبر الاتحاد الأوروبي، عن ارتياحه لإنقاذه من القوى الوطنية لضمان الاستمرار في سحق المقدرة الشرائية والقطاعات المنتجة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *