اجتماع موسكو والتطبيع الصعب بين دمشق و أنقرة .. بقلم توفيق المديني

 

عُقِدَ الاجتماع الرباعي يوم الثلاثاء 25نيسان/أبريل 2023، في موسكو بين وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران وسوريا، وناقش الخطوات الملموسة التي يمكن اتخاذها لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا ،وعودة العلاقات بين البلدين، إِذْ إِنَّ هذا المسار التفاوضي بدأ منذ أواخر العام 2022، لكنَّهُ لم يحرزْ تقدمًا ملموسًا بسبب المواقف المتباينة من  العديد من الملفات العسكرية والأمنية الشائكة. ويبدو الرئيس بوتين سعيدًا للغاية بالاجتماع الرباعي في موسكو ، بجمع الجانب التركي والجانب السوري على طاولة واحدة، لأنَّ هذا يعزِّزُ من الحضور القوي للدبلوماسية الروسية في منطقة الشرق الأوسط.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إنَّ الوزير الروسي سيرغي شويغو بحث مع نظرائه الإيراني والتركي والسوري في موسكو قضايا تعزيز الأمن في سوريا.وأضافت الوزارة أن وزراء دفاع وقادة الأجهزة الأمنية لسوريا وروسيا وتركيا وإيران ركزوا في مباحثاتهم على محاربة كل المجموعات المتطرفة في سوريا وأكدوا حرصهم على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، كما تطرقت المحادثات لضمان الأمن الإقليمي.

وأوضح بيان لوزارة الدفاع التركية تعليقًا على أن الاجتماع تناول أيضا سبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم وسبل مكافحة كافة التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة على الأراضي السورية.

ووفق البيان، فقد جرى الاجتماع “في أجواء إيجابية”، وشدد على احترام وحدة الأراضي السورية، كما شدد المجتمعون على أهمية استمرار الاجتماعات الرباعية من أجل توفير الاستقرار في سوريا والمنطقة واستمراره.

الموقف التركي من المباحثات

في تعليقه على الاجتماع الرباعي لوزراء دفاع ورؤساء استخبارات كل من تركيا وروسيا وإيران وسوريا، الذي استضافته موسكو يوم الثلاثاء الماضي  ، قال وزير الدفاع التركي  خلوصي أكار :”إنَّ بلاده تبذل الجهود للتخلص من “ابتلاء الإرهاب”، وتوفير أمن الشعب التركي وحدوده، وبالتالي تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بأقرب وقت ممكن.

وأوضح أنَّ تركيا جدَّدَتْ خلال اللقاء الرباعي احترامها لوحدة وسيادة الأراضي السورية، وأكَّدَتْ أنَّ الغاية الوحيدة لتواجد قواتها هناك هي مكافحة التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها “واي بي جي/ واي بي دي/ بي كي كي” و”داعش”.

وشدَّد الوزير التركي على أنَّ بلاده “ستواصل دون انقطاع مساعيها لتحييد الإرهاب”، معتبرًا أنَّ هذا الأمرَ ليس لمصلحة أنقرة فقط، “بل خطوة هامة لوحدة الأراضي السورية أيضا”، حسب “الأناضول”.

وقال أكار إنَّ أنقرة تهدف أيضًا لوقف موجة اللجوء من سوريا إلى تركيا، وذلك عبر تهيئة الظروف المناسبة في الأراضي السورية، ومن ثم تأمين العودة الطوعية للاجئين السوريين في تركيا، إلى بلدهم.

قبل اندلاع أحداث ما يسمى “الربيع العربي”عام 2011، كانت تركيا حليفًا اقتصاديًا وسياسيًا أساسيًا لسوريا،إِذْ جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقة صداقة بالرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنّ علاقتهما انقلبتْ رأسًاعلى عقبٍ مع بدء الاحتجاجات في سوريا،ودعم تركيا للتنظيمات الجهادية والإرهابية بهف إسقاط الدولة السورية وتقسيمها على أساس طائفي ومذهبي وعرقي،وفق المخطط الأمريكي-الصهيوني -التركي آنذاك.

موضوع اللاجئين السوريين كدافع للتطبيع التركي مع سوريا

بالنسبة لتركيا، هناك دوافع حقيقية تدفع الرئيس أردوغان إلى البحث عن سبل التطبيع مع سوريا،و فما يَهُمُّ أنقرة في الوقت الحاضرموضوع اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية، ويقدر عددهم بنحو 3.6مليون سوري،وموضوع حزب العمال الكردستاني بوصفه منظمة إرهابية  ويهدد الأمن القومي التركي حسب وجهة النظر التركية ، إضافة إلى اقتراب موعد الانتخابات التركية التي يمثل فيها اللاجئون السوريون ورقة تتلاعب بها المعارضة التركية.

يؤكد الخبراء والمحللون الأتراك أنَّ قضية اللاجئين السوريين تفرض نفسها بقوةٍ على الشعب والاقتصاد التركيين، وتأتي على رأس القضايا المؤثرة على نتيجة الانتخابات التركية.وفي هذا السياق،ماانفكت المعارضة التركية تستغل قضية اللاجئين السوريين لتحريض الشعب التركي ضد السوريين بطريقةٍ فَجَّةٍ، وعنصريةٍ أحيانًا،وتقدم نفسها على أنَّها تمتلك خريطة طريق لحلِّها  عبر علاقتها مع الرئيس بشار الأسد ،وإعادة اللاجئين إلى بلادهم، حسب زعمها.

وتتعاظم المخاوف بين أوساط اللاجئين السوريين مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، المقررة في 14 أيار/ مايو المقبل جراء زيادة الخطاب “التحريضي” ضدهم من قبل أحزاب المعارضة التركية،إِذْ تعمد بعض شخصيات المعارضة تحميل اللاجئين مسؤولية الأزمات المعيشية التي يعاني منها الأتراك، مثل التضخم وارتفاع إيجارات المنازل، وتتوعد بترحيلهم.

وتحرص بعض أحزاب المعارضة على استخدام ملف اللاجئين في الحسابات الانتخابية لكسب وِدِّ الناخب التركي، وهو عادة ما يكون مصحوباً بالكثير من خطاب الكراهية و العنصرية على منصات التواصل الاجتماعي،وآخرهم مرشح المعارضة التركية كمال كليتشدار أوغلو، الذي هدَّد بإرسال اللاجئين إلى بلادهم في غضون سنتين، في حال فاز بالانتخابات، وتساءل: “ماذا يفعل 3 ملايين سوري في بلادنا، وأبناؤنا لا يجدون وظائف”؟.

وقبل كليتشدار أوغلو، توعدت زعيمة حزب “الجيد” المعارض ميرال أكشنار بترحيل اللاجئين السوريين حال وصولهم للسلطة، مؤكدة أن “السوريين سيتم ترحيلهم لا محالة”.

وتحتدم المنافسة في الانتخابات الرئاسية التركية التي سَتُجْرَى يوم 14آيار/مايو المقبل ، بين الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يواجه أزمة اقتصادية حادة في تركيا جرَّاء التضخّم (60 بالمئة) وتراجع قيمة الليرة التركية  أمام الدولار،و ارتفاع عجز الموازنة العام للبلاد إلى مستويات 170.56 مليار ليرة تركية خلال شهر فبراير الماضي 2023، وتداعيات كارثة الزلزال (انتقادات طالته بالتقصير)،وبين نظيره زعيم أكبر أحزاب المُعارضة (الشعب الجمهوري) ومُرشّح طاولة التحالف السداسي، كمال كليتشدار أوغلو المُنافس الأقوى الذي يطمح بالإطاحة بأردوغان ، والذي يعوِّلُ على دعم الإدارة الأمريكية له.

ماهو موقف الإدارة الأمريكية من التطبيع بين تركيا و سوريا؟

من الواضح أنَ الإدارة الأمريكية الحالية ضاقت ضِرْعًا بالرئيس أردوغان،بسبب توتر العلاقات التركية-الأمريكية في عهده،ويتوقّف الخبراء في الشؤون التركية عند مدى جديّة إدارة الرئيس الأمريكي جوبايدن في التدخّل في الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة القادمة، حيث للأخير مُقابلة أجراها مع صحيفة “نيويورك تايمز” حين كان مُرشّحًا ديمقراطيًّا للرئاسة، إِذْ وصف حينها أردوغان بالمُستبد، مُؤكّدًا أنَّ على واشنطن أن تُحمّس قادة المُعارضة التركيّة حتى يستطيعوا مُواجهة أردوغان وهزيمته، ليس عبر انقلاب، بل عبر العمليّة الانتخابيّة.

رغم أنَّ الرئيس التركي يُعَدُّ من الحُلفاء التقليديين للأمريكيين، فإنَه سجل عدة تباينات في مواقفه من السياسة الأمريكية في السنوات الأخيرة،فأردوغان أصبحت تربطه  علاقات استراتيجية مع الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين ،الذي بات يفضل فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما سجّل أردوغان موقفاً لافتاً من الدعم الأمريكي المُفترض لزعيم المُعارضة التركية في الانتخابات الرئاسية القادمة .

وانتقد أردوغان ا السفير الأمريكي لدى أنقرة جيف فليك، حيث قام السفير بزيارة لزعيم المُعارضة التركيّة كمال كليتشدار أوغلو المُنافس الأقوى الذي يطمح بالإطاحة بأردوغان، ما أوحى بأن ثمّة إرادة أمريكيّة، غربيّة تنوي مُساعدة المُعارضة التركيّة، والتخلّص من أردوغان، والظهور بمظهر المُتآمر عليه (أردوغان) يخدم أدبيّات الحزب الحاكم(العدالة و التنمية)، الذي يُظهر نفسه في مظهر الراغب باستقلال القرار السيادي التركي عن الأمريكيين، ويرى أنصار أردوغان أنه بالفعل كذلك، وتبنّى سياسات مُناوشة للأمريكيين بعض الأحيان.

لاتريد إالإدارة الأمريكية الحالية تحقيق أي تقدم في عملية تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، لأنَّ هذا يتعارض مع الخطط المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بشمال شرق سوريا، حيث أنه، وعلى الرغم من رد الفعل الحاد من تركيا حليفة (الناتو) من تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تعاونها مع حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا على الأرض،ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية”قسد” في شمال شرق سوريا، فإنَّ واشنطن تنظر إلى تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا على أنَّه العامل الأقوى الذي سيعطل الخطط الأمريكية.

رؤية سوريا لعودة العلاقات مع تركيا

تعتبر سوريا أنَّ التواجد العسكري التركي في الشمال السوري، الذي يمتد من غرب نهر الفرات، بدءاً من ريف اللاذقية الشمالي، إلى منطقة جرابلس على ضفاف الفرات الغربية، وشرقي البلاد، وشرق نهر الفرات( تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي)،حيث أقامت الحكومة التركية خلال الأعوام الماضية العديد من القواعد العسكرية داخل الأراضي السورية، لعل أبرزها قاعدة “الشيخ عقيل” في ريف الباب شمال حلب، وقاعدة “مطار تفتناز” و”المسطومة” في ريف إدلب،تعتبر سوريا هذا التواجد العسكري احتلالاً لأراضيها، بينما تؤكد أنقرة أنه لدرء المخاوف على الأمن القومي .

وفيما  تُصِّرُ دمشق على أن تطبيع العلاقات مع أنقرة شرطه هو الانسحاب التركي الكامل من الشمال السوري، والقضاء على التنظيمات الإرهابية في إدلب، في إشارة إلى “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) التي تسيطر مع فصائل معارضة أخرى على نحو نصف مساحة محافظة إدلب (شمال غرب) ومحيطها، تريد تركيا تفاهمًا أمنيًا وعسكريًا وآلية مشتركة مع الدولة السورية ، لا سيما أنَّ مصالحهما تتلاقى على القوى المدعومة من قبل واشنطن، وهي “قوات سورية الديمقراطية”، و”وحدات الحماية الكردية””،المرتبطين عضويًا و إيديولوجيًا وعسكريًا بحزب العمال الكردستاني(PKK) المصنف من قبل تركيا منظمة إرهابية، ويسعى إلى إنشاء دولة كردية ذات طابع قومي في كل جنوب تركيا، وتشمل أيضًا شمال سورية و العراق و إيران.

فالأتراك يرون أن عودة قوات الحكومة السورية إلى شمال شرقي سورية تحول دون قيام كيان كردي انفصالي  على حدودهم الجنوبية، يعتبرونه مساً مباشراً لأمنهم القومي. ويبدو أنَّ تركيا غير متمسكة في البقاء طويلاً في الشمال السوري، ولكنَّها  تشكِّكُ في قدرة الجيش السوري من حماية الحدود السورية التركية الممتدة على طول نحو 1000 كيلومتر.

وتهدف تركيا من خلال التطبيع مع سوريا توفير مناخ آمن لبدء عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والذين تحولوا إلى ورقة سياسية ضاغطة بيد المعارضة التركية على حكومة حزب العدالة والتنمية الساعي إلى الاستمرار في السلطة عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الشهر المقبل.

خاتمة:

تمارس روسيا ضغوطات على سوريا من أجل تحقيق التطبيع مع تركيا، لما فيه من مصلحة لأردوغان، الذي رغم أنَّ حكومته أثبتت أنَّها منافس شرس لموسكو في ليبيا وسوريا، والقوقاز، فإنَّها في الوقت عينه شريك ومفاوض موثوق في الحرب والاقتصاد.وازدادت أهمية تركيا بالنسبة لموسكو في  ظل الحرب  الروسية -الأوكرانية ، بوصفها قناة الوساطة الوحيدة بينها وبين أوكرانيا، وحتى الغرب، وسيطرتها على مداخل البحر الأسود، إضافة لموقفها المتوازن الذي لم ينضم للعقوبات الغربية على موسكو، رغم إدانتها الصارمة للغزو الروسي وتقديمها بعض الدعم العسكري لكييف.

في ضوء توجه الرئيس التركي أردوغان للمصالحات الإقليمية وتصفير المشاكل مع دول الجوار منذ صيف 2020، حيث نجح بصورة كلية أو جزئية في استعادة العلاقات الطبيعية مع كل من الإمارات، والسعودية، وإسرائيل، وأرمينيا، ومصر، لا يستبعد المراقبون من عقد لقاء قمة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان و السوري بشار الأسد،للإتفاق حول تسوية تاريخية تتعلق بالانسحاب التركي من شمال سورية وتسليم المنطقة تدريجياً للحكومة السورية وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم،وتحديث اتفاق أضنة المبرم بين البلدين في عام 1998.

ولكنَّ التطبيع بين تركيا وسوريا ،هو بالتأكيد متغيرٌ أكبر وأكثر تعقيداً بكثير من أي من المصالحات الأخرى الآنفة الذكر ، بسبب تعدد الأطراف الإقليمية و الدولية المنخرطة في الأزمة السورية والدور الذي لعبته تركيا في هذه الأزمة، طوال العقد الماضي. لذلك فإذا أحرز مسار التطبيع التركي-السوري تقدماً فعليّاً خلال الشهور القليلة المقبلة، فستكون هذه خطوة البداية نحو انفراج الأزمة السورية ونهاية النزاع الأهلي، والعداء الأيدولوجي بين الرئيس الأسد والرئيس أردوغان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *