إلى السادة نوّاب الشعب المحترمين، .. بقلم محمد المؤدب

إلى السادة نوّاب الشعب المحترمين،
الفصل 37 (جديد) من قانون التقاعد، هو عنوان تمييز وحيف
وعامل إضافي لإضعاف القدرة الشرائيّة للمتقاعدين ومظلمة في حقّهم

 

Résultat de recherche d'images pour "‫محمد المؤدب‬‎"

لقد أثار ولازال مشروع تنقيح الفصل 37 من القانون عدد 12 المؤرّخ في 5 مارس 1985 المتعلّق بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد وللباقين على قيد الحياة، والذي صادق عليه مجلس الوزراء في 18 جوان 2018 وأحيل لمجلسكم للنظر فيه، أثار جدلا واسعا ومخاوف جدّية ومشروعة لدى المتقاعدين من القطاع العمومي وهم شريحة هامّة من ناخبيكم.
ولكم فيما يلي أهمّ المعطيات والاعتبارات التي يستند إليها موقف وتحرّكات المتقاعدين والرافض لمقترح الحكومة المعروض على أنظاركم للبتّ فيه في قادم الأيّام، علّها تساعدكم على اتّخاذ الموقف الصائب وإنصاف هذه الشريحة من المواطنين.
في البداية، لا بدّ من التأكيد على أهميّة هذا القانون لكافّة المنتمين للقطاع العمومي، سابقا وحاليّا ومستقبلا، ولا للمتقاعدين الحاليّين فحسب إذ أنّ النشطاء الحاليّين منهم، هم حتما متقاعدون ولو بعد فترة، طالت أم قصرت، ومن هذا المنطلق كان على النشطين أيضا إيلاء هذا الموضوع الاهتمام الذي يستحقّ والإدلاء بآرائهم حوله.
أمّا من حيث الجوهر، فيرى المتقاعدون في التعديل المقترح من الحكومة، حيفا كبيرا تجاههم وتمييزا غير مبرّر مقارنة مع نظرائهم النشطين وبطبيعة الحال عاملا إضافيّا على التعجيل بتآكل قدرتهم الشرائيّة وذلك بحقّ مظلمة.
وللتذكير، يتعلّق التعديل المقترح للفصل 37 بطريقة تحديد قيمة الزيادة في جرايات التقاعد عند الزيادة في الأجور بالقطاع العمومي. ففي حين ينصّ القانون السّائر المفعول (الفصل 37 الحالي) على أن: “يتمّ التعديل الآلي للجراية عند أيّ ترفيع في أي عنصر من العناصر القارّة للمرتّب الموافق للرّتبة أو الوظيفة التي وقعت على أساسها تصفيّة الجراية كما يتمّ التّعديل الآلي للجراية عند إحداث أي منحة قارة تتعلق بالرتبة أو الوظيفة التي وقعت على أساسها تصفية الجراية” ، جاء المقترح لينصّ في فصله 37 (جديد) على أن: “يتم تعديل الجرايات بصفة دورية في إطار المفاوضات المتعلقة بالأجور في القطاع العمومي بالاستناد إلى الّنسب السّنوية للنموّ الاقتصادي والزّيادة في الأجور في القطاع العمومي والتضخّم…”. بعبارات أخرى وببساطة، يتمثّل التعديل في الانتقال من طريقة واضحة وموحّدة لضبط قيمة الزيادة لكلّ المنتمين للقطاع العمومي من متقاعدين ونشطاء، إلى تخصيص المتقاعدين بطريقة تأخذ بعين الاعتبار مباشرة نسب النموّ والتّضخّم وكذلك الزيادات المقرّرة إثر المشاورات الاجتماعيّة، بحيث تكون الحصيلة عمليّا، تمكين المتقاعدين من زيادات أقلّ قيمة من التي تسند لنظرائهم النشطين في القطاع العمومي.
1.من الأكيد، يواجه الصندوق الوطني للتقاعد و الحيطة الاجتماعيّة (CNRPS) اختلالا هامّا في توازناته الماليّة و يأتي هذا التنقيح للفصل 37 ضمن مراجعة شاملة للقانون المشار إليه أعلاه سعيا لتلافي تلك الصعوبات الماليّة، ويعتبر ذلك من الإصلاحات الضروريّة و التي من المفروض أن تلقى كلّ الدعم شريطة أن تتّسم بالعدل و الإنصاف وهو ما لم يتوفّر في الفصل 37 الجديد الذي بالعكس، جاء مميّزا بين النشطين و المتقاعدين من نفس القطاع و غير منصف بينهم و كذلك غامضا في ما يتعلّق بكيفيّة تطبيقه، كيفيّة احتساب الزيادة “بالاستناد إلى النسب السنويّة للنموّ الاقتصادي والزيادة في الأجور في القطاع العمومي والتّضخّم” و بذلك جاء التعديل غير مطمئن لشريحة المتقاعدين و من هنا كانت حيرتهم و تساؤلاتهم و غضبهم.
في البداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مبدأ ربط أيّ زيادة في الأجور بنسب النموّ والتضخّم، لا تخلو من الاعتبارات والتبريرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة الموضوعيّة والمنطقيّة إلى حدّ قد يبعث الفرد على قبول اعتماده والعمل به. في الحقيقة ودون ادّعاء التخصّص في مجال العلوم الاقتصاديّة أو الاجتماعيّة، أعتقد بصراحة أنّه قد يكون من الوجاهة والحكمة فعلا ربط الزيادات في الأجور بنسب النموّ حتّى يقابل الزيادة في الأجور بذل مجهودات إضافيّة من المؤجّرين، تفضي لخلق المزيد من الثروات من جهة وكذلك ربطها بنسبة التضخّم لاستدراك تدهور القدرة الشرائيّة للمواطنين. إلى هذا الحدّ قد يبدو الأمر معقولا ومقبولا، إلاّ أنّ الغرابة في التعديل المقترح الوارد بالفصل 37، تكمن في حصر اعتماد هذا المبدإ، إن اعتبر وجيها، فيما يتعلّق بالمتقاعدين دون غيرهم من أجراء الدولة وهو ما يعدّ تمييزا سلبيّا للمتقاعدين دون غيرهم وهو طبعا تمشّ غير مبرّر وغير منصف ولا يمكن القبول به بالمرّة.
2. من ناحية أخرى، لعاقل أن يسأل إن كان ذلك المبدأ، ربط الزيادة في جرايات المتقاعدين بنسب النموّ والتضخّم، مبرّرا ومقبولا للمتقاعدين، فلماذا لا يعمّم العمل به على جميع أجراء الدولة بل قل على جميع الأجراء أي حتّى في القطاع الخاصّ؟ وإلى أن توافينا الحكومة صاحبة المقترح وكذلك المنظّمة الشغيلة التي لم نسمع لها إلى حدود هذه الساعة موقفا واضحا من هذا الشأن، بتفسير لازدواجيّة التعامل بخصوص تحديد قيمة الزيادات في أجور النشطين في القطاع العمومي من جهة والمتقاعدين من نفس القطاع من جهة أخرى، يبقى التعديل المقترح مرفوضا.
3. قد تبرز الحاجة للزيادة في الأجور عامّة لأسباب متعدّدة ومختلفة، إلاّ أنّه في كلّ الحالات يترجم السعي لتلك الزيادة إرادة وحاجة لدعم وتحسين القدرة الشرائيّة للمواطنين أو محاولة لتدارك تدهورها. وبطبيعة الحال، سيؤدّي اعتماد المقترح بخصوص تحديد قيمة الزيادة في أجور الأجراء النشطين في القطاع العمومي وفي جراية المتقاعدين منه، حتما إلى تفاوت في قيمة الزيادة لكلا الصنفين على حساب المتقاعدين، وهو ما يؤدّي بدوره مع مرور الزمن إلى تباين الفوارق في المقدرة الشرائيّة لهما دون مبرّر رغم تعرّض الجميع لنفس الصعوبات من غلاء المعيشة وتضخّم ونفس متطلّبات العيش وغيره. فلما التباين في الزيادات؟
4. تزداد حيرة المتقاعدين ويشتدّ رفضهم لتعديل الفصل 37 من هذا القانون لمّا اكتشفوا أنّ المقترح لا يضبط بدقّة كيفيّة احتساب، عمليّا، نسب النموّ والتضخّم مع اعتبار الزيادات المقرّرة إثر المشاورات الاجتماعيّة في ضبط الزيادة في جراية المتقاعدين. فبأيّ نسب وضوارب وطبق أيّ ضوابط تحتسب تلك النّسب في تحديد الزيادة؟ لقد ترك ذلك لتقدير مناسباتي وظرفي للحكومة القائمة حينها. وبطبيعة الحال، اعتبارا للوضع المالي العام للصناديق الاجتماعيّة ليس من الصعب التكهّن بالنزعة العامّة التي ستسود مثل تلك التقديرات، ستكون لامحالة في اتجاه الحدّ ولما لا التنقيص أكثر ما يمكن من دفوعات صندوق التقاعد أي من جرايات المتقاعدين وذلك هو الهدف الرئيسي والحقيقي من مراجعة هذا الفصل 37. وبذلك سيرى المتقاعد حتما مقدرته الشرائيّة في اهتراء مطّرد بقدر وبسرعة أكبر من نظرائه النشطين من أجراء الدولة.
5.أمّا فيما يتعلّق بإصلاح نظام التقاعد بصفة عامّة والتي أصبحت متأكّدة ومستعجلة باعتبار الوضعيّة الماليّة للصناديق الاجتماعيّة، فمن الطبيعي أن تمرّ عبر مراجعة سنّ التقاعد والترفيع فيه وربّما الترفيع كذلك في نسب مساهمات كلّ من الأجير والمؤجّر، إلاّ أنّي أعتقد أنّه من الضروري أيضا السعي لإضفاء المزيد من الحوكمة الرّشيدة على التصرّف في المؤسّسات الاجتماعية المعنيّة ذاتها. وفي هذا الإطار، لا بأس أن يشمل ذلك، إعادة النّظر في أنظمة التقاعد الخاصّة السّخيّة بكلّ من السادة نوّاب الشعب وأعضاء الحكومة والولاّة دون الإغفال عن مراجعة الامتيازات التي تمنحها الصناديق الاجتماعيّة للموظّفين والعملة التابعين لها.

في الختام، لا بدّ من التذكير بأنّ أنظمة الضمان الاجتماعي ومنها نظام التقاعد، تعتمد أساسا على مفهوم التضامن بين الأفراد من نفس الجيل وكذلك بين الأجيال بحيث يموّل النشيط جراية المتقاعد الذي كان موّل بدوره لمّا كان نشيطا متقاعدي الجيل الذي سبقه وهكذا تتواصل الحياة. وبدون شكّ يتعيّن الحرص على توازن ماليّة صناديق التقاعد، ربّما بمراجعة المساهمات ولكن حتما بإعادة النظر في سنّ التقاعد تماشيا مع تطوّر سنّ الأمل في الحياة، على أن يتمّ ذلك في كنف الإنصاف بين مواطني الجيل الواحد من مساهمين في الصناديق ومتقاعدين وكذلك بين الأجيال وهو ما لا يتوفّر في الفصل 37 المقترح إذ يعتمد مقاييس مختلفة لتحديد زيادات جرايات التقاعد من جهة وأجور النشطين من نفس القطاع من جهة أخرى، وهو ما يفضي حتما إلى مزيد تدهور المقدرة الشرائيّة للمتقاعد لا بالنسبة لارتفاع الأسعار و كلفة المعيشة فقط بل و حتّى بالمقارنة مع النشطاء من صنفه في ذات القطاع العمومي.

لتلك الأسباب الموضوعيّة يرفض المتقاعدون مشروع تعديل الفصل 37 من قانون التقاعد ويبقى أمل هؤلاء فيكم، السادة نواب الشّعب، كبير حتّى تتصدّوا للمشروع المقترح ليبقى الفصل 37 على صيغته الحاليّة، وذلك من باب الإنصاف والعدل، العدل الذي كان ولا يزال وسيبقى للأبد أساس العمران، كما بيّنه منذ قرون ابن خلدون.

محمد المؤدب
(مواطن متقاعد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *