وزير تونسي سابق : إنقاذ بلادنا من أزمتها ممكن

كمال بن يونس
الثلاثاء، 20 سبتمبر 2022 01:44 م بتوقيت غرينتش

حاتم بن سالم خبير دولي في القانون وهو سياسي ودبلوماسي مخضرم تولى حقائب دبلوماسية عديدة منذ 1996 في أفريقيا وتركيا وجنيف. ودخل حكومة محمد الغنوشي في 2003 وزير دولة للخارجية (كاتب دولة) فوزيرا للتربية في 2008.

بعد انتخاب الباجي قائد السبسي رئيسا أواخر 2014 عينه وزيرا مستشارا مكلفا بالإدارة العامة للدراسات الاستراتيجية ثم وزيرا للتربية عام 2017 في عهد حكومة يوسف الشاهد. غادر الحكومة مطلع 2020 لكنه ظل شخصية سياسية لها حضور وطني ودولي.

الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس التقى حاتم بن سالم وأجرى معه الحوار التالي خصيصا لـ “عربي21″، حول رؤيته للأزمة التونسية بأبعادها الداخلية والخارجية والمتغيرات في ليبيا وبلدان شمال أفريقيا وفي أوروبا الشريك الرئيسي للدول العربية منذ التدخل الروسي في أوكرانيا وتزايد الدور الأمريكي والأطلسي:

س ـ أستاذ حاتم بن سالم .. عاد ملف الهجرة غير القانونية مجددا إلى السطح في تونس بعد تعاقب حالات غرق مراكب المهاجرين غير النظاميين بينهم حوالي مائة ماتوا غرقا في يوم واحد.. فيما تتحدث مصادر أوروبية عن وصول أكثر من ألف مهاجر عربي وأفريقي إلى جنوب إيطاليا قادمين إليها من السواحل التونسية..

كيف تنظر إلى هذا الملف الإنساني الاجتماعي الأمني السياسي الذي تابعته عن قرب عندما كنت في الحكومة وما تزال تتابعه مع مراكز الدراسات الاستراتيجية الدولية؟

ـ هذا الملف مهم جدا بالنسبة لتونس ودول ضفتي البحر الأبيض المتوسط.. تونس لم تعد مجرد بلد عبور المهاجرين العرب والأفارقة بل أصبحت كذلك بلد استقبال..

وأقولها بصراحة: إذا أردنا بناء ديبلوماسية ناجعة وتأكيد مكانة دولنا في المنطقة وفي العالم، علينا أولا أن نفهم أن ملف الهجرة يجب أن يكون من أبرز ملفات التفاوض خاصة مع الاتحاد الأوروبي خدمة لمصالحنا ومصالحهم..

هذا الملف لا يمكن أن يفض إذا لم تكن لدينا أرضية تفاهم وحوار كاملة مع الاتحاد الأوروبي الذي ينفق سنويا مئات ملايين اليوروهات على عملية “فرونتاكس” (Frontex) أي الوكالة الأوروبية لحماية الحدود والسواحل التي تأسست في تشرين الأول (أكتوبر) 2016..

هذا البرنامج الأوروبي هو بالأساس عملية أمنية وعسكرية.. لكن الجميع يعرف أن حل معضلات ملف الهجرة ليس بالضرورة أمنيا وعسكريا، لذلك علينا أن ننجح في إقناع شركائنا الأوروبيين بأن هذا الملف تنموي واقتصادي سياسي وليس أمنيا فقط..

الحل تنموي في سياق التنمية المتضامنة بين بلدان الشمال والجنوب.. والاتحاد الأوروبي يدرك ذلك لأننا تفاوضنا معه مطولا في هذا السياق..

اليوم الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى يد عاملة كبيرة، في المقابل تزايدت طلبات الهجرة من بلدان جنوب المتوسط.. يجب أن نتوصل إلى “توازن” بين العرض والطلب على اليد العاملة وفق ما يخدم مصالح دول ضفتي البحر الأبيض المتوسط..

“الهجرة الانتقائية”

س ـ عمليا وجدت اتفاقات سابقة مع بعض الدول الأوروبية بينها فرنسا، منها اتفاقية “الهجرة الانتقائية” التي أبرمت بين تونس وباريس في عهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وتسمح لما لا يقل عن 9 آلاف شاب لديهم شهادة مهنية بالهجرة القانونية ضمن عقود واضحة.. لكن يبدو أن تونس تفوت فرصة التمتع بهذا “الامتياز” ولا تقدم سنويا 9 آلاف تتوفر فيهم الشروط.. رغم ضغط معضلات البطالة والهجرة..

واليوم تطلب ألمانيا ودول أوروبية عديدة مهاجرين.. فهل يمكن أن يكون مثل هذا الحل، أي الهجرة الانتقائية حسب الملفات بديلا عن الهجرة غير القانونية التي تتسبب في غرق مئات من المهاجرين سنويا؟

ـ هذه الاتفاقات مهمة لكنها لن تحل المشكل وحدها.. وهي ليست “البديل” عن مفاوضات جدية مع الاتحاد الأوروبي يسفر عن تفاهمات لها بعد استراتيجي يمتد عشرين عاما مثلا..

المتوسط.. يجب أن نتوصل إلى “توازن” بين العرض والطلب على اليد العاملة وفق ما يخدم مصالح دول ضفتي البحر الأبيض المتوسط..

“الهجرة الانتقائية”

س ـ عمليا وجدت اتفاقات سابقة مع بعض الدول الأوروبية بينها فرنسا، منها اتفاقية “الهجرة الانتقائية” التي أبرمت بين تونس وباريس في عهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وتسمح لما لا يقل عن 9 آلاف شاب لديهم شهادة مهنية بالهجرة القانونية ضمن عقود واضحة.. لكن يبدو أن تونس تفوت فرصة التمتع بهذا “الامتياز” ولا تقدم سنويا 9 آلاف تتوفر فيهم الشروط.. رغم ضغط معضلات البطالة والهجرة..

واليوم تطلب ألمانيا ودول أوروبية عديدة مهاجرين.. فهل يمكن أن يكون مثل هذا الحل، أي الهجرة الانتقائية حسب الملفات بديلا عن الهجرة غير القانونية التي تتسبب في غرق مئات من المهاجرين سنويا؟

ـ هذه الاتفاقات مهمة لكنها لن تحل المشكل وحدها.. وهي ليست “البديل” عن مفاوضات جدية مع الاتحاد الأوروبي يسفر عن تفاهمات لها بعد استراتيجي يمتد عشرين عاما مثلا..

أقترح شخصيا إيجاد آليات مثل وكالة أوروبية متوسطية للتشغيل.. أي آليات تمكن المهاجر جنوب المتوسطي والصحراوي من أن يتدرب في مراكز تدريب مهني ويتعلم لغة البلاد التي سوف يهاجر إليها.. ويتعلم مهنة مطلوبة في بلدان الشمال وفي بلاده ويمكن أن تكون من بين مجالات التنمية في بلدان جنوب المتوسط..

هذا التكوين يجب أن يكون بتمويل وتأطير تقني من الاتحاد الأوروبي.. خاصة إذا كان في قطاعات استراتيجية مثل الإلكترونيك والاتصالات وصيانة التجهيزات الطبية..

ويكون الأوروبيون مكونين ومدربين يتولون بدورهم تدريب الشباب في دول الجنوب..

الهدف هو خلق حركية تضمن للمهاجر الهجرة معززا مكرما وهو يتقن مهنة ولغة البلد المستضيف وثقافته.. ولا يضطر إلى الهجرة وهو يفكر في بيع المخدرات والانحراف وتكون الحصيلة أن آلاف التونسيين والعرب والأفارقة يتعرضون لاحقا للإيقاف والسجن والتتبعات في المحاكم الأوروبية بتهم التورط في جرائم مختلفة..

المطلوب علاقة شفافة على أسس صحيحة تساعد على الهجرة المنظمة وتنمية ضفتي البحر المتوسط مع تطمينات لكل الأطراف.. وعدم الوقوع في فخ اختزال تناول ملف الهجرة تناولا أمنيا بحتا..

ضعف مستوى خريجي جامعات الدولة

س ـ يلاحظ أن عشرات الآلاف من خريجي الجامعات الخاصة مطلوبون في الأسواق التونسية والأوروبية والعالمية خلافا لغالبية خريجي المدارس والجامعات التابعة للدولة.. لماذا؟ هل الخلل في التكوين؟

ـ الطلب موجود وطنيا ودوليا.. بما في ذلك على خريجي بعض كليات الطب والهندسة.. هذه مسؤولية دول مثل تونس لأننا لم نحسن الاستفادة من خريجي الجامعات..

س ـ لماذا؟

ـ لأن الدولة تخلت عن دورها في التشغيل والتنمية.. لذلك فإن الإصلاح يكون داخليا أولا.. والهجرة يمكن أن تكون فرصة وليست مشكلا.. لأن الأطباء والمهندسين والخبراء والتقنيين المهاجرين يمكن أن يعودوا إلى تونس وقد اكتسبوا خبرة مهمة يفيدون بها بلدهم.. هم سفراء في الخارج وليسوا ضحايا..

غياب سياسة بديلة

س ـ لكن تونس بدورها اعتمدت حلولا أمنية قبل ثورة 2011 وبعدها.. وقد فرضت منذ مدة طويلة عقوبات صارمة على المهاجرين غير القانونيين والمهربين تصل إلى السجن عشرين عاما.. لكن الظاهرة متواصلة وعدد الغرقى في البحر في ارتفاع.. مثلما وقع مؤخرا.. أكثر من مائة قتيل في يوم واحد.. لماذا؟

ـ السبب غياب سياسة بديلة وخيارات استراتيجية في هذا المجال.. الحل يبدأ بإصلاح مؤسسات الدولة والإدارة التونسية من الداخل وإعادة ترتيب أولوياتها حتى تقوم بدورها الوطني كمؤسسة جاذبة وطرف يلعب دورا مركزيا في معالجة ملفات البلاد الوطنية..

ولا بد من إصلاح التعليم ليلعب مجددا دوره الوطني كمصعد اجتماعي ومؤطر وضامن لتنمية الموارد البشرية..

هناك أولويات لا بد من وضعها في كل مخطط تنمية وهي التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والتغطية الاجتماعية.. حاليا ليس هناك “مخطط تنمية” لكن لا بد أن تكون لسياسات الدولة هذه الأولويات التي أثبتت أنها كانت رهانا صحيحا منذ أكثر من ستين عاما..

تراجع الرهان على التعليم وعلى التنمية الاجتماعية والأمن أدى إلى التسيب والفوضى.. والحل يكون بعودة الدولة القوية التي لديها استراتيجية.. الدولة التي تكون قادرة على تعبئة الموارد المالية وهي موجودة على مستوى وطني وعلى مستوى دولي..

ما ينقص البلاد ليس الأموال وفرص التمويل الداخلية والخارجية ولكن الرؤيا والاستراتيجية.. بما يضمن للبلاد فرص تنمية أفضل مما هو موجود ومما وجد سابقا.. فتح الآفاق مهم جدا.. وهو يبدأ بإعادة الاعتبار للتعليم وتطوير التكوين المهني..

لذلك أقول مجددا: إن إخراج البلاد من كل أزماتها الحالية ممكن بما في ذلك أزماتها المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية..

تخفيف الضرائب ورقمنة الإدارة

س ـ هل من اقتراحات عملية لإخراج البلاد من أزمتها؟

عمليا هناك قرارات عاجلة مطلوبة على رأسها تخفيف ورقمنة الإدارة.. نظام الضرائب في تونس موروث عن نظام الجباية الفرنسية منذ النصف الأول من القرن الماضي.. ولم تشهد البلاد أبدا إصلاحا جديا وجريئا لنظام الضرائب..

السياسة الجبائية الحالية تشجع على الفساد والرشوة والتهرب الضريبي.. فلنتعلم من أمثلة سنغافورة وماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية حيث نسب الضرائب المنخفضة ساهمت في ترفيع موارد الدولة من مداخيل الجباية..

فلنتفق على نسب جباية غير قابلة للنقاش والتسامح لكنها معقولة.. مثلا تكون بـ 5 بالمائة في عدة قطاعات.. بما يؤدي إلى زيادة مداخيل الدولة لأن مئات آلاف التجار وأصحاب “التراخيص” (“الباتيندات”) والمتعاملين مع “القطاع الموازي” و”السوق السوداء” سوف يقومون بتسوية وضعيتهم وسيدفعون الضرائب.. لأن النسب أصبحت معقولة..

وفي نفس الوقت لا يقع التسامح مع المتهربين من الضرائب ويقع التعامل معهم بحزم..

بالنسبة لاسترجاع أموال الدولة لا بد من خطوات عملية.. مثلا هناك الحاسبات الذكية التي تسجل كل المعاملات.. بما يضمن أن الاقتطاع للمالية العمومية يقع بصفة آلية في نفس اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *