هل نزع الرئيس الجزائري الصاعق نهائيا ؟ .. بقلم البحري العرفاوي

احتجاجات الجزائريين ضد عهدة بوتفليقة الخامسة بقدر ما كانت جماهيرية حاشدة بقدر ما كانت متحضرة سلمية راقية أبهرت المتابعين من مختلف أنحاء العالم بل وأحرجت السلطة ربما لانها لم تقدم لها مبررا لاستعمال أدوات الدولة في مواجهتها سواء القانونية أو المادية، بل إن كبار المسؤولين في الجيش والسلطة أبدوا تقديرا لتحضر الشعب الجزائري وأعلنوا تفهمهم لاحتجاجاته ونزلوا عند رغبته على مرحلتين:

ـ مرحلة أولى تعهد فيها بوتفليقة من خلال رسالته إلى الجزائريين ـ إذا ما تم انتخابه مجددا ـ بعقد ندوة وطنية تتولى إعداد رؤية للإصلاح الاقتصادي والسياسي و الاجتماعي ثم القيام بمراجعات للدستور وكذلك تنظيم انتخابات مبكرة التزم بألا يترشح إليها .

هذه الرسالة بدت لعدد من الجزائريين مستجيبة لحدّ معقول من المطالب ورأوها مقدمة مهمة لإصلاح متدرج هادئ، أصحاب هذا الرأي مازالوا يستحضرون العشرية السوداء ويخشون الانزلاق مجددا نحو فوضى مدمرة وهم يتابعون ما آلت إليه أوضاع عدد من بلدان “الربيع العربي” مثل سوريا وليبيا واليمن ومصر، ولا تغيب عن وعيهم التحرشات الخارجية بوطنهم بما هو ثروات أساسا.

غير أن جمهور الشباب وخاصة الطلابي كان حاسما في موقفه وحافظ على حرارة الشارع فانضمت إليه قطاعات مهمة وأعلنت مساندتها له مثل النقابات والمحامين والقضاة وجمعية العلماء الجزائريين وعدد من قادة الأحزاب.

تدخل القائد العسكري قائد صالح في مناسبتين محذرة مرة ومطمئنة أخرى لم يمنع حركة الشباب من مواصلة الإعراض على “العُهدة الخامسة” ومطالبة بوتفليقة بعدم الترشح مجددا لمنع تخفي “الفاسدين” خلف رمزيته لخدمة مصالحهم الخاصة.

أخيرا استجاب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للشارع الجزائري بل لقد استجاب قبل ذلك لصورته المشرفة لدى شعبه وهو صاحب مشروع الوئام الوطني، لقد أعلن أخيرا أنه لن يترشح لعهدة خامسة وأنه سيمضي مباشرة إلى تكليف شخصية مشهود لها جزائريا وعربيا ودوليا بتنظيم ندوة وطنية تتولى دعوة الجزائريين إلى وضع خطة للإصلاح السياسي والاقتصادي وقد سبق ذلك كله استقالة رئيس الحكومة وتعيين خلف له ربما لتشكيل حكومة كفاءات وطنية غير متحزبة وغير مؤدلجة .

عدد من الجزائريين خرجوا إلى الشوارع في مدن عدة مستبشرين بانتصار الحكمة على العناد وانتصار العقل على العاطفة وانتصار الجزائر على المتربصين بها.

الجزائريون تكلموا بصوت واحد بوجه التدخلات الخارجية:هذا شأن عائلي لا دخل للغرباء بين الجزائريين. كانوا يردون على الأمريكان والفرنسيين وهم يعون أنهم لا تعنيهم ديمقراطية ولا حقوق إنسان وإنما تعنيهم فقط مصالحهم وثروات الشعوب يبتزونها.

في الوقت الذي ظن فيه كثير من الجزائريين ومن محبي الجزائر يظنون أن إعلان بوتفليقة عدم الترشح لعهدة خامسة نزعٌ لصاعق الاحتجاجات والفوضى، رأى آخرون أنها ليست إلا “حيلة” من أجل عُهدة خامسة بعنوان تمديد في عهدة رابعة، أصحاب هذا الرأي يدعون إلى شوط آخر من الاحتجاج لمنع عملية “ابتلاع الشارع” بمثل هذه “الحيل” ولمنع استجماع النظام أنفاسه للارتداد على ما تحقق من مكاسب مهمة ولكنها غير كافية.
فهل يقنع الجزائريون بما تحقق ـ وهو غير قليل ـ أم سيستمرون في “التضييق” على سلطة العسكر وهي السلطة الفعلية حتى يُجبروها على ترك السياسة للأحزاب أو ربما يدفعونها إلى “الدفاع” عن مصالحها فتلجأ إلى أساليب تخرج بالمشهد الجزائري ـ لا قدر الله ـ عن سلميته الرائعة إلى ما يؤذي السياسة والسياسيين وعموم المواطنين والمنطقة أيضا ؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *