هل تطيح التحولات في أوروبا بالنظام العالمي ؟ بقلم ليلى نقولا

لطالما شكّلت القومية عاملاً جوهريًا في دفع التحولات في أوروبا، فمنذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ومع توحيد ألمانيا بقيادة بسمارك، ثم اندفاع الأوروبيين وراء هتلر وموسوليني، مرورًا ببروز القوميات في أوروبا في نهاية الثمانينات من القرن العشرين، إلى اليوم…تشكّل القومية عاملاً أساسيًا في المجتمعات الأوروبية، ودافعًا قويًا نحو التغيير.

هل تطيح التحولات في أوروبا بالنظام العالمي ؟ بقلم ليلى نقولا

التحولات التي تعيشها أوروبا اليوم، تبدو أساسية كونها تشكّل تحوّلاً هامًا عن السياسات والتوجهات المتبعة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لغاية اليوم

ينظر العديد من الباحثين اليوم الى أوروبا باعتبارها تمرّ بفترة تحوّل سياسي واجتماعي، مرده صعود اليمين الأوروبي المتطرف بشكل متعاظم، والاستياء العارم الذي تعبّر عنه الشعوب الأوروبية سواء من خلال المظاهرات المتنقلة من بلد لآخر، أو من خلال تعبيرهم عن سخطهم من خلال التصويت الانتخابي بشكل مكثف للقوى المناوئة للحكم الحالي سواء من خلال توجههم نحو اليمين أو الخضر.

وبالتأكيد، إن التحولات التي تعيشها أوروبا اليوم، تبدو أساسية كونها تشكّل تحوّلاً هامًا عن السياسات والتوجهات المتبعة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لغاية اليوم، لكنها ليست فريدة والادعاء بأنها غير مسبوقة، يبدو غير علمي وغير دقيق.
لطالما شكّلت القومية عاملاً جوهريًا في دفع التحولات في أوروبا، فمنذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ومع توحيد إلمانيا بقيادة بسمارك، ثم اندفاع الأوروبيين وراء هتلر وموسوليني، مرورًا ببروز القوميات في أوروبا في نهاية الثمانينات من القرن العشرين، إلى اليوم…تشكّل القومية عاملاً أساسيًا في المجتمعات الأوروبية، ودافعًا قويًا نحو التغيير.

إن المشكلة التي وقعت بها النيو-ليبرالية المعاصرة في الغرب، هو تركيزها الشديد على الفرد وحقوقه، ومحاولة فرض مبادئها ومفاهيمها على الجميع، بما يشبه “الشمولية” التي حاولت الإشتراكية فرضها على الآخرين، وهنا أخطأت النظريتان بالتقليل من أهمية الخصوصيات الثقافية والهويات بالنسبة للمجتمعات الأوروبية، وغضّتا الطرف عن أن الإنسان هو كائن إجتماعي بطبيعته.
لطالما شكّلت القومية تحديًا للنظم السائدة في العالم، فالناس بشكلٍ عام لديهم إحساس قوي بالانتماء للمجموعة، وعادة ما يُرمز إلى الانتماء الوطني بأنه التزام باستقلال وسيادة الأمة.

وكما يقول “مارشايمر” في كتابة الأخير “الوهم العظيم: الأحلام الليبرالية والوقائع الدولية” الصادر في أيلول/ سبتمبر 2018، أنه لدى الأمّة ستّ سمات أساسية، مجتمعة تميّزها عن المجموعات الكبيرة الأخرى التي سكنت الكوكب قبل ظهور الأمّة، هي:

1- إحساس قوي بالوحدة والتضامن.
2- ثقافة متميّزة وتتضمن المعتقدات الدينية والسياسية والاجتماعية، بالاضافة إلى اللغة، الطقوس، الرموز والموسيقى وفهم خاص للتاريخ الخ.
3- الشعور بالتفوّق ممّا يؤدّي إلى الفخر الوطني، والإدعاء بالتفوق.
4- إحساس عميق بتاريخها، والذي غالبًا ما يؤدّي إلى الأساطير التي تحلّ محلّ الواقع التاريخي فالأمم تبتكر القصص البطولية عن أنفسها لتشويه إنجازات الأمم الأخرى ومن أجل دعم زعمهم بالتفوّق.
5- الأرض المقدّسة والواجب المتصوّر لحماية الأراضي التي يعتقد أنّها وطن مقدّس.
6- السيادة والشعور العميق والتصميم على حماية القرار الوطني من تدخلات القوى الخارجية.
وبالطبع، إن دارسي التاريخ والعلاقات الدولية يدركون أن حجم افتخار الأوروبيين والأميركيين بأوطانهم، ويعتقد معظمهم أنّ أمّتهم تتفوّق على الآخرين. على سبيل المثال، اعتبر هيغل – الفيلسوف الأكثر تأثيرًا في العالم- أن الروح في سيرها نحو الحرية تمر بمراحل عدّة لتصل في النهاية إلى مرحلة الوعي التي تتحقق في “الأمم الجرمانية”، فالإلمان هم أول الأمم التي ستصل إلى الوعي بأن الإنسان بما هو إنسان حر، معتبرًا أن الروح الألماني هو روح العالم الجديد.
أما الأميركيون فيعتقدون بقوة أن الله قد ميّزهم، وأعطاهم دورًا عظيمًا في الأرض. وبرأي مارشايمر، إن لهذا الإعتقاد تقليد غني في الولايات المتحدة، يعود بالزمن إلى البيوريتانيين Puritans، الذين اعتقدوا، كما الكثير من الأميركيين عبر الزمن، أنّ هناك عهد خاص بين الله والولايات المتحدة. وأنّ الله أعطاها صفات خاصّة تجعل شعبها أكثر ذكاءً ونبلاً من الشعوب الأخرى.
إن كل ما جرى عرضه، يجعل من التطورات والتحولات التي تعيشها أوروبا اليوم، تكرارًا لمراحل إنتقالية سابقة في التاريخ، أدّت الى تحولات كبرى في التاريخ الأوروبي.

و عليه، إن الإحباط الذي يعيشه الأوروبيون من العولمة النيوليبرالية والمآسي والتحديات والأزمات الإقتصادية التي يعيشونها بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى عام 2008، يضاف إليها مشاكل الإرهاب، و”أمننة” قضايا الهجرة واللجوء وتحميلها مسؤولية كل المشاكل المتراكمة… كل هذه الأمور، سوف تؤدي الى تحوّلات كبرى في أوروبا، ستدفع في النهاية إلى انتهاء نظام “الهيمنة النيو-ليبرالية” وقيام نظام دولي جديد قوامه “توازن القوى” على أنقاضه.

 

الميادين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *