ندوة دولية في تونس عن انتخابات ليبيا والتصعيد بين الجزائر والمغرب

*دعوات “للحياد الإيجابي” و تحذير من الإنخراط في ” لعبة المحاور”

de
بقلم كمال بن يونس

أسفرت ندوة نظمت بتونس عن التحضيرات للانتخابات في ليبيا في ظل تصعيد الصراع داخلها وفي المنطقة بأن تعتمد تونس والدول المغاربية سياسة “الحياد الإيجابي” وأن لا تنخرط في ” لعبة المحاور الإقليمية والدولية ” التي تسببت في تدمير اقتصاد ليبيا ودول المنطقة وتوريطها في ” حروب بالوكالة ” تمتد من المغرب الأقصى إلى اليمن ، من الجزائر إلى سوريا والسودان ودول الخليج ..

ودعا المشاركون التونسيون والعرب والأوربيون المشاركون في هذه الندوة قيادات تونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا إلى استبعاد كل سيناريوهات اشعال “حروب ومعارك هامشية جديدة ” داخل ليبيا وفي المنطقة ، وبصفة أخص بين الشقيقيتن المغرب والجزائر ..

وقد شارك في تنظيم هذه الندوة الدولية خبراء من منتدى ابن رشد للدراسات الإستراتيجية و”جمعية الديمقراطيين في العالم العربي” قدموا حضوريا أو عبر شبكة الانترنيت ورقات ومداخلات تضمنت تقييمات متباينة لمستجدات الأزمة في ليبيا وجهود التسوية السياسية بعد المؤتمر الذي نظم مؤخرا في باريس وأفرز اختلافات بين بعض العواصم المؤثرة في ليبيا وفي منطقة جنوب المتوسط بيتها باريس وموسكو وأنقرة وأبو ظبي ..

وقد ناقش المشاركون في الملتقى ورقات ومداخلات قدمها بالخصوص الخبير الأردني محمد الجراح المدير التنفيذي ل”جمعية الديمقراطيين في العالم العربي” والمنصف السليمي رئيس “المؤسسة الألمانية المغاربية للثقافة والإعلام”و مصطفى الساقزلي المدير العام “للبرنامج الليبي لإعادة الادماج والتنمية “، والإعلاميان محمد آيت ياسين وبلال التليدي من المغرب الأقصى وادريس ربوح رئيس مجلس العلافات الافريقية بمجلس التعاون الافرو اسيوي والناشط السياسي الجزائري .

وشاركت في الندوة عدة شخصيات اعتبارية تونسية في الندوة من تونس بينها السادة شكري الحيدري رئيس مؤسسة ” كفاءات تونسية ” و عادل البرينصي عضو رئاسة الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات في تونس و عبد الرحمان علالة الجامعي الخبير الاقتصادي ورئيس عدة جمعيات اقتصادية وتنموية تونسية ومغاربية والبشير الجويني الديبلوماسي السابق في ليبيا وشاكر الحوكي رئيس المنظمة العربية للعلوم القانونية والسياسية وكمال بن يونس الخبير في الدراسات الدولية ومحمود غربال المراقب السابق لانتخابات 2011 و 2014 في ليبيا الذي عاد مؤخرا من زيارة عمل في طرابلس والحسين بوشيبة من الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية..

سيناريو اندلاع الحرب مجددا

وكشفت الورقات المقدمة والمداخلات حيرة في تشخيص المتغيرات في المنطقة المغاربية الأوربية واختلافات في تقييم فرص نجاح الانتخابات ومسار التسوية السياسية في ليبيا وتفاعل ” الرأي العام والمواطن العادي في ليبيا” مع المسار الانتخابي وتوصيات مؤتمرات التسوية السياسية التي تعقد منذ عامين في ألمانيا وفرنسا وتركيا وروسيا وسويسرا وفي مدن ليبية.

كما كشفت الندوة تباينا الخبراء والحقوقيين العربي في تقدير فهم نتائج المؤتمر الدولي عن ليبيا المنعقد قبل أيام في فرنسا ، بسبب ما روج عن خلافات روسية فرنسية تركية من جهة وعن خلافات بين كبار القياديين الليبيين حول مناقشته في الكواليس ل”تطبيع الحكومة الليبية القادمة مع اسرائيل”.

وأبرزت الورقات تخوفات من انفجار الوضع العسكري مجددا داخل ليبيا وعلى الحدود الجزائرية المغربية ، بسبب “التشابك والتداخل” بين الأجندات الاقليمية والدولية في المنطقة العربية الاوربية و صراعات صناع القرار السياسي الداخلي والدولي في تونس وليبيا من جهة والجزائر والمغرب من جهة ثانية .

خلافات الرباط والجزائر

واعتبر رئيس المؤسسة الألمانية المغاربية للثقافة والإعلام أن ” تصعيد التوتر بين الجزائر والمغرب ” وفتور العلاقات بين العواصم المغاربية أضعف فرص تأثير دول ” الاتحاد المغاربي” في مسار التسويات السياسية والأمنية والعسكرية للحرب في ليبيا ” ، وقد يضعف دورها في مسار إعادة البناء بعد الانتخابات القادمة وتركيز الدولة الجديدة .

وكشفت مداخلات المشاركين من الجزائر والمغرب أن “سوء التفاهم ” سيطر مجددا وأن ” الخلافات” التي انفجرت في 1975 حول مستقبل الصحراء الغربية ” مازالت تضغط بقوة على صناع القرار في البلدين وتوشك أن تتسبب في ” حرب جديدة” قد تأخذ شكل مواجهات عسكرية محدودة أو ” حرب باردة”فضلا عن مضاعفات قرارات الاغلاق للحدود البرية والجوية ووقف تصدير الغاز .

في المقابل دعت أغلب المداخلات إلى ضرورة ” استبعاد كل سيناريوهات عودة الاقتتال في ليبيا أو على الحدود الجزائرية المغربية . وسجلوا أن ” عودة الحرب” سيؤدي إلى مزيد ارهاق شعوب المنطقة وحكوماتها في مرحلة شهدت كذلك تصعيدا في علاقات الجزائر وفرنسا وبرزت فيها خلافات حادة على هامش مؤتمر باريس عن ليبيا بين روسيا وحلفائها وتركيا وحلفائها وفرنسا وبعض قيادات الحلف الأطلسي والصين ..

وأكدت عدة ورقات على العلاقة بين جهود احتواء التصعيد السياسي والعسكري الجزائري المغربي وأطراف النزاع داخل ليبيا بالمتغيرات الأمنية والسياسية في كامل منطقة الساحل والصحراء من جهة وفي سوريا و اليمن والخليج من جهة ثانية .

فشل التسوية السياسية مجددا

في المقابل اعتبر الباحث الليبي مصطفى الساقزلي والدبلوماسي التونسي السابق في طرابلس البشير الجويني والباحث المغربي بلال التليدي أن ” الشروط الدنيا اللازمة لتنظيم انتخابات تؤدي إلى تسوية شاملة في ليبيا وتحسين علاقاتها بدول المنطقة غير متوفرة”.

وتوقفت بعض الورقات عند بعض الثغرات في المنظومة السياسية والقانونية الحالية في ليبيا ، وبينها معارضة حوالي 20 من كبار الضباط العسكريين للمسار الانتخابي الحالي وتلويح عدد من أنصار اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقلية صالح و قيادات من غرب ليبيا بتعطيل ” العملية الانتخابية ” أو بعدم الاعتراف بالنتائج .

وسجل الباحث والدبلوماسي البشير الجويني أن ” من بين المعضلات التي تزيد تأزيم المناخ السياسي والانتخابي أن المادة 25 من القانون الانتخابي تسمح لمفوضية الانتخابات “بحجب النتائج” ، فضلا عن تنصيص المادة 18 على أن التصويت سيجري على الأفراد وليس على القائمات بما يعني ” تزايد مخاطر التشرذم والصدام وتشتيت المشهد السياسي المتأزم منذ مدة طويلة”.

لذلك أكد الحقوقي رئيس المنظمة العربية للعلوم القانونية والسياسية شاكر الحوكي و المدير التنفيذي ل”جمعية الديمقراطيين في العالم العربي محمد الجراح ” والحقوقي الليبي مصطفى الساقزلي على ضرورة ” اعطاء الأولوية لتنقية المناخ السياسي” في ليبيا وكل الدول المغاربية و العربية ، كما طالبوا باعتماد سياسات استراتيجية “لنشر الثقافة الديمقراطية وقيم التعددية والرؤيا الكونية لحقوق الإنسان ” بهدف ضمان نجاح مسارات التنمية البشرية والاقتصادية والسياسية والانتخابية ..

تغيير العقليات والثقافة

وأورد الخبير والحقوقي الاردني محمد الجراح وعدد من المتدخلين أن المنطقة تشهد منذ مدة طولية ظاهرتي انهيار الدولة المركزية ، مثلما حصل في ليييا واليمن وسوريا ، مقابل انهيار حكومات والمنظومات السياسية الحاكمة في دول عربية أخرى مثلما حصل في تونس خلال العشرية الماضية .

لذلك حذر الخبيران الليبي مصطفى الساقزلي والمغربي بلال التليدي والدبلوماسي التونسي من سيناريو فشل تنظيم الانتخابات الليبية في موعدها المقرر ، أي 24 ديسمبر القادم ، أو من ” خيبة الأمل ” التي قد تسود كل الاطراف بسبب ضعف المشاركة فيها أو عدم موافقتهم على نتائجها .

وتوقع البعض أن تندلع بعد الانتخابات الليبية مواجهات مسلحة جديدة بين أنصار اللواء خليفة حفتر و رموز الحكم في عهد معمر القذافي شرقي ليبيا وخصومهم الذين يسيطرون على وسط البلاد وغربا وفي العاصمة طرابلس .

ومن بين ما يزيد الأوضاع خطورة أن قوى دولية واقليمية تقف وراء المعسكرين المتحاربين من بينها تركيا وروسيا وفرنسا وأمريكا وايطاليا وبريطانيا ومصر والامارات والسعودية وقطر ..

مصير تونس وليبيا

كيف ستنعكس كل هذه المتغيرات على تونس التي اتهمها مشاركون من المغرب الأقصى ب” الانحياز إلى الموقف الرسمي الجزائري” ضد المغرب الأقصى عند التصويت في مجلس الأمن مع روسيا ضد المشروع الأمريكي الدولي ؟

بل ذهب الخبراء المغاربة إلى حد اتهام ” الموقف التونسي الجديد” بالمساس ب” الحقوق الوطنية المغربية “وبحقه في “توحيد كل أقاليمه بما فيها الاقليم الصحراوي منذ تحريره من الاحتلال الاسباني في 1975″؟

وكيف ستتعامل تونس مع الفرقاء في ليبيا في صورة نجاح مسار التسوية السياسية والانتخابات أو عودة الاقتتال والنزاعات المسلحة المدعومة من قبل تركيا وقطر من جهة وروسيا وفرنسا والامارات وفرنسا من جهة أخرى ؟

كل المداخلات أجمعت على كون ” التوازنات ” القادمة سوف تكون لها أبعاد اقليمية ودولية بما في ذلك في علاقة بالتنافس الفرنسي الأطلسي الاسرائيلي التركي السوري على غاز شرق البحر الابيض المتوسط وعلى مشاريع إعادة البناء العملاقة القادمة في ليبيا..بما يزيد من تعميق تنافض مصالح كبار الفاعلين الاجانب في ليبيا والدول المغاربية والعربية والافريقية ..

لكن دراسة معمقة قدما الدبلوماسي السابق البشير الجويني كشفت أن نسب النمو الاقتصادي والتجاري والمالي في تونس سوف تتضاعف في صورة نجاج الانتخابات مسار التسوية السياسية في ليبيا .

في نفس السياق أوصى الخبير الألماني المغاربي المصنف السليمي تونس الدولة والمجتمع المدني ومراكز الدراسات الى المساهمة في احتواء التوترات الامنية والسياسية بين المغرب والجزائر من جهة وداخل ليبيا من جهة ثانية ، مع ” التزام قدر كبير من الحياد مهما كانت نتيجة الانتخابات الليبية” في الصراعات الجديدة بين ساسة شرق ليبيا وغربها وحلفائهم الإقليميين والدوليين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *