مخلوف : لسنا “إخوانا” ولا “رفاقا” بل ثوريون محافظون

يتزعم المحامي الشاب سيف الدين مخلوف المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في 2019 حزب “ائتلاف الكرامة” المثير للجدل، بسبب مواقف قياداته التي تنتقد بحدة في نفس الوقت المنظومات التي حكمت تونس منذ 1956 والمنظومة المتحكمة حاليا في قصر الرئاسة بقرطاج، والتي تزايد دورها منذ قرارات 25 تموز (يوليو) الماضي التي يعتبرونها “انقلابا على الدستور وعلى شرعية صناديق الإقتراع”.

غادر مخلوف السجن مؤخرا بعد 4 أشهر من الإيقاف واستأنف مع رفاقه في حزبه التحركات المساندة لمعارضي قيس سعيد وعلى رأسها مبادرات “مواطنون ضد الانقلاب” و”المبادرة الديمقراطية” و”الخيار الثالث للقوى الديمقراطية الاجتماعية”.

الإعلامي والأكاديمي التونسي كمال بن يونس التقى سيف الدين مخلوف، فور مغادرته السجن، وسأله خصيصا لـ “عربي21″، عن المرجعيات الفكرية والسياسية لحركته وعن مراجعاتها بعد انقلاب 25 تموز (يوليو) بعد تعرض عدد من قياداته للإيقاف والسجن والمحاكمة.. فكان الحوار التالي:

س ـ أستاذ سيف الدين مخلوف، يتساءل أغلب المراقبين عن سر بروزكم “فجأة” منذ انتخابات 2019.. وتختلف التقييمات لكم بين من يعتبركم “إخوانا” و”حركة إسلامية شبابية على يمين حركة النهضة” و”سلفيين جددا” وبين من يتهمكم بـ “الثورجية” و”الشعبوية”.. فمن أنتم؟ هل أنتم “يساريون ثوريون” أم “سلفيون تكفيريون” أم “حركة إخوان مسلمين جديدة” أم “تجمع ظرفي لسياسيين ليس لهم هوية فكرية ثقافية سياسية موحدة”؟

ـ نحن لسنا حزبا أيديولوجيا.. ولسنا حزبا إسلاميا أو حزبا معاديا للأديان أو لأي عقيدة أو أيديولوجية.. ولسنا “إخوانا مسلمين” ولا رفاقا.. بل مجموعة من المناضلين “الثوريين المحافظين” المتحررين من كل الأيديولوجيات والمقولات التقليدية.. ونعتقد أن الإنجاز الكبير الذي حققه شباب ثورة تونس والثورات العربية هو تعبئة الطاقات من أجل التغيير وتحقيق مشاغل الشعوب عامة والشباب خاصة في الشغل والتنمية والتقدم والتحرر والكرامة وتكريس الديمقراطية والقطع مع السياسيين الذين تورطوا طوال عقود في تزييف الانتخابات وفي القمع والاستبداد والفساد..

ومنذ انقلاب 25 تموز (يوليو) الماضي على الدستور والبرلمان المنتخب عبر استخدام القوة يعادينا بعضهم بسبب مواقفنا المبدئية المعارضة للانقلاب.. ولأننا اعتبرنا أنه كان فرصة للفرز بين الديمقراطيين الحقيقيين والمزيفين..

كان الانقلاب “حدثا إيجابيا” نوعا ما لأنه ساعد في فضح أدعياء الديمقراطية وأشباه الحقوقيين، الذين طالبوا أول الأمر بحل البرلمان والدستور والحكومة ثم تراجعوا عندما لم يسند لهم قيس سعيد مسؤوليات في الحكومة الجديدة… ثم استبعدهم وانتقدهم بدورهم..

التغيير والقيم

س ـ ماذا تقصدون بـ “ثوريون محافظون”؟

ـ ثوريون لأننا مع التغيير الشامل والحقيقي ونرفض التنازلات التي قدمها بعض السياسيين لرموز الاستبداد والفساد والمنظومات السابقة منذ موفى 2013، مما مكنها من أن تتصدر المشهد مجددا وأن تكون عمليا الطرف الذي يتحكم في أهم القرارات، رغم فوز معارضين سابقين بأغلبية نسبية في البرلمان..

في نفس الوقت نحن محافظون بمفهوم احترام قيم المجتمع وثوابته الأخلاقية والثقافية والدينية، دون أن نكون حزبا دينيا أو عقائديا..

الاختلافات مع حزب النهضة

س ـ ما هو الفرق بينكم وبين حزب النهضة خاصة أن من بين أنصاركم من كان سابقا في حركة الاتجاه الإسلامي ثم في حركة النهضة أو في أحزاب “الترويكا” التي حكمت عامي 2012 و2013؟

ـ مؤسسو “ائتلاف الكرامة” من مرجعيات ثقافية وسياسية مختلفة.. شخصيا نشطت في التسعينيات من القرن الماضي في اليسار الطلابي.. ولدينا من بين المؤسسين من تولى مسؤوليات في الإدارة والتعليم والثقافة أو في قطاع القضاء وفي هيئات حقوقية.. وكثير من مناضلينا مستقلون، بمن فيهم بعض من سبق لهم أن شاركوا في أنشطة أحزاب أخرى مثل النهضة..

نسجل بوضوح أن كوادر حركة النهضة وحلفاءها في حكومتي الترويكا، كانوا الأقرب إلى مبادئ ثورة 2011 وإلينا.. وقد تحالفنا معهم بعد انتخابات 2019 دعما لتلك المبادئ رغم بعض اختلافاتنا سياسيا.. ورغم امتناع مناضلينا ونوابنا في البرلمان عن تولي أي مسؤولية في مؤسسات السلطة التنفيذية مركزيا وجهويا..

مرة أخرى أقول نحن منفتحون على الجميع لأننا لسنا حزبا أيديولوجيا أو دينيا..

تشجيع المستثمرين

س ـ كيف تصنفون أنفسكم اجتماعيا واقتصاديا؟ هل أنتم مع الخيار الرأسمالي الليبيرالي أم أقرب إلى “الديمقراطيين الاجتماعيين” و”الاشتراكيين” خاصة أن أغلب النخب في تونس ترفع منذ 2011 ثم منذ 25 تموز (يوليو) 2021 شعارات عن “مكافحة الفساد” و”التطهير” و”محاربة التهريب” و”مصادرة أملاك الفاسدين”؟

ـ أعتقد أن أغلب دول العالم المتقدم والدول الصاعدة تجاوزت “المنظومات القديمة” والرؤى التقليدية للثروة والتنمية والتقدم وللرأسمالية والاشتراكية والشيوعية.. في السابق كانت كبرى شركات العالم الغنية تختص في تجارة المحروقات والسلاح والسيارات… الخ. أما اليوم فالثراء أصبح مشروطا بالتحكم في اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة وخاصة تكنولوجيا الاتصالات والاتصال..

وهنا يبرز الصراع الجديد بين كبرى الشركات الصينية والكورية والأمريكية والأوروبية واليابانية.. نحن مع تشجيع الاستثمار لخلق الثروة وتحقيق التنمية الشاملة اقتصاديا واجتماعيا وبشريا.. وتوفير سيولة لتحسين مناخ الأعمال وإحداث مواطن شغل وموارد رزق للملايين من أبناء الطبقات الشعبية والوسطى ومكافحة البطالة والفقر بطرق حديثة وناجعة..

وليس لدينا أي مشكل مع الأثرياء وكبار المستثمرين في تونس وخارجها إذا كانوا حصلوا على ثرواتهم مع احترام القوانين والإجراءات..

كوريا الجنوبية وماليزيا

س ـ ما هي الدولة أو الدول التي تعتبرونها “نموذجا” تسعون إلى أن تقتدي به تونس والدول العربية؟

ـ كوريا الجنوبية التي كانت أواخر الستينيات من القرن الماضي دولة فقيرة وأصبحت دولة غنية ومتقدمة علميا وتكنولوجيا واقتصاديا وخلقت ثروات استفاد منها شعبها.. ورفعت مستوى التنمية البشرية داخلها.. كما نقدر تجارب دول آسيا الصاعدة مثل ماليزيا وسنغافورة… ونطمح أن تحقق تونس ودولنا العربية قفزات مماثلة عبر الرهان على خلق الثروات وكسب معركة اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة جدا..

صقور النظام السابق

س ـ لماذا تعاديكم عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري ورفاقها من جهة وكثير من القيادات النقابية في الوقت الذي تدعو فيه أوساط إعلامية لمقاطعتكم وتتهمكم بالتطرف والإرهاب؟

ـ صقور النظام السابق يعادوننا لأننا عبرنا عن مواقفنا بوضوح من إخفاقات المنظومات السابقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ومن تورط بعض قياداتها في تزييف الانتخابات طوال عقود إلى جانب ضلوعها في الظلم والفساد.. كما يحاربنا بعضهم لأننا أعلنا بوضوح أننا ضد تحكم بعض “اللوبيات” المشتبه بتورطها في الفساد في وسائل الإعلام وفي الهيئات التي تشرف عليها أو في النقابات..

وأعلنا بصراحة كاملة أنه يجب التمييز بين النقابيين النزهاء وبين بعض الأطراف التي تمنع مئات الآلاف من العمال والموظفين من حقهم في اختيار نقابتهم، وفي تكريس التعددية النقابية والسياسية والإعلامية دون وصاية..

كما عارضنا الاقتطاع الإجباري والآلي (بـ 36 دينارا تونسيا سنويا) من أجور حوالي 700 ألف موظف لانخراطهم في نقابة معينة.. بينما ينص القانون على أن الموظف يعلن بنفسه كتابيا وبصفة فردية إن كان سينتمي إلى نقابة أم لا واسم النقابة التي ينخرط فيها..

وبالنسبة “للهيئة العليا للإعلام السمعي البصري” (الهايكا) فقد عادانا بعض مسؤوليها، الذين انتهت مدتهم القانونية بـ 3 أعوام، لأننا تقدمنا بمشروع تحرير الإعلام وإصلاحه وإلغاء التراخيص المسبقة وبانتخاب هيئة جديدة..

بورقيبة وبن علي

س ـ ألا تعتبرون أنكم أخطأتم عندما تهجمتم على الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وكل من عمل معهما ثم على أغلب القيادات السياسية والنقابية الحاكمة والمعارضة بعد ثورة 2011؟ ألم يكن التعميم خطأ استخدمه البعض لتبرير الإطاحة بكم وبكل حلفائكم في البرلمان والحكومة ودفع البلاد نحو ما حصل في 25 تموز (يوليو) وبعده؟

ـ عبرنا عن رأي يشاركنا فيه كثير من التونسيات والتونسيين يعتبر أن حصيلة عشرات السنين من حكم الرئيسين بورقيبة وبن علي كانت كارثية اقتصاديا واجتماعيا وتربويا وسياسيا مقارنة بنجاحات دول مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية وعمالقة شرق آسيا.. ولا أعتقد أن من ينتقدنا يمكن أن يفند أن عشرات السنين شهدت تزييفا كاملا للانتخابات ودكتاتورية واستبدادا وحكما فرديا عارضه الديمقراطيون رغم التضحيات التي قدموها..

الأزمة مع فرنسا وأوروبا

س ـ وهل كان من الحكمة شن بعض نوابكم وقيادات حزبكم حملات إعلامية وسياسية ضد فرنسا وسفارة باريس بتونس بلغت حد المطالبة بـ”طرد السفير الفرنسي”؟

ـ لسنا ضد شعوب فرنسا وأوروبا وأمريكا.. لكن من حقنا أن نعبر عن رأينا في المظالم التي تعرضت لها شعوبنا ودولنا في عهد الاحتلال المباشر ثم بعد إعلان الاستقلال.. وقد تعهدنا خلال حملتنا الانتخابية في 2019 بمطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها في عهد الاستعمار فتقدمنا بمشروع في الغرض.. عارضه أغلب النواب لكننا نؤمن بشرعيته، ونعتز أن ثلثي البرلمان صادق عليه..

غضب بعضهم لأننا نقدنا الجنرال الفرنسي الرئيس شارل ديغول وهم يعلمون أنه هو الذي أصدر أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين في مدينة بنزرت في 1961 بما تسبب في حمام دم وسقوط آلاف الشهداء والجرحى…

أخطاء

س ـ هل قمتم بنقد ذاتي عن أخطائكم داخل البرلمان وخارجه بما في ذلك بعض معارككم مع المشرفين على المؤسسات الإعلامية وعلى الهيئات والمنظمات المشرفة على قطاعي الإعلام والاتصال؟

ـ لا شك أننا قمنا بـ “أخطاء”.. من بينها أننا قدمنا عشرات الدراسات ومشاريع القوانين لتطوير مجالات عديدة بينها قطاع الإعلام في اتجاه تحريره ورفع وصاية بعض “اللوبيات” عليه.. لكن بعضهم رد علينا بحملات دعائية ممنهجة لتشويهنا، بما في ذلك باتهامنا بـ “التطرف الديني” و”الإرهاب”…

” مواطنون ضد الانقلاب”؟

س ـ كيف تنظرون إلى مستقبل البلاد بعد 6 أشهر عن قرارات 25 تموز (يوليو)؟ هل تعتقدون أن “الحراك الشعبي المعارض للانقلاب” سوف ينتصر رغم استطلاعات الرأي التي تؤكد تراجع شعبية كل السياسيين الذين حكموا البلاد منذ 2011؟

ـ إرادة الشعوب ستنتصر.. ولا يمكن إلغاء دستور ومكاسب ديمقراطية وتنموية ومشاريع ثقافية بمراسيم فوقية ليس لها شرعية، لأنها جاءت بعد تعطيل الدستور والبرلمان المنتخب بصفة ديمقراطية وإسقاط الحكومة التي صادق عليها ثلثا أعضاء البرلمان مرتين..

الانقلاب سوف يسقط عاجلا أم آجلا.. وقد يسقط قبل أن تكمل بعض النخب جدلها و”مشاوراتها” تمهيدا لتأسيس جبهة ديمقراطية موسعة تتابع المكاسب التي حققتها حركة “مواطنون ضد الانقلاب” والمظاهرات الشعبية التي نظمتها خلال الأشهر والأسابيع الماضية.. ولا مجال لأن ينتصر أي انقلاب مستقبلا عربيا ودوليا..

انقلاب مصر

س ـ لكن الانقلابات نجحت في عدة دول عربية وأفريقية بينها مصر رغم المواقف الوطنية والدولية المعارضة له منذ 2013؟

ـ قد تنتصر بعض الانقلابات والسياسات القمعية على المدى القصير، مثلما وقع في مصر. لكن مصير هذه الانقلابات الفشل والسقوط على المدى المتوسط والبعيد.. وستنتصر الديمقراطية وإرادة الشعوب في التغيير والتقدم والتنمية الشاملة..

تجربة السجن
س ـ ما هي أهم العبر التي خرجت بها بعد 4 أشهر من السجن؟

ـ مرحلة السجن أقنعتني أكثر ببؤس الظلم والقهر وسلطات الانقلاب وبهشاشة سياسات “شيطنة المعارضين” في وسائل الإعلام ومخططات “تشويههم”.. وإني أحيي بالمناسبة كل الذين يتابعون منذ أشهر النضال من أجل الحريات ورفع المظالم عن الموقوفين والمساجين وضحايا الاستبداد الجدد..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *