ما مستقبل اليسار التونسي بعد ” الصفر فاصل ” في انتخابات 2019

عزيزة بن عمر

كشفت النتائج الأولية للإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها 2019 فشلا ذريعا لليسار التونسي و جميع المترشحين الذين ينتمون لهذا الفكر السياسي . و بعد أن جاء مرشح الجبهة الشعبية حمة الهمامي في المرتبة الرابعة في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 و هو ترتيب مشرّف جدا ، تحصّل على نسبة أصوات لم تتجاوز صفر فاصل في انتخابات 2019 .
و جاء منجي الرحوي مرشح الجبهة الشعبية في المرتبة 13 بنسة أصوات بلغت 0،8 كما جاء حمة الهمامي مرشح ائتلاف الجبهة الشعبية في المرتبة 15 بنسبة 0،7 في حين حل عبيد البريكي القيادي السابق في اتحاد الشغل و المحسوب على اليسار في المرتبة 22 بنسبة أصوات بلغت 0،2 . و تعتبر تلك النتائج صفعة مدوية و هزيمة تاريخية لليسار في تونس ، و يعود ذلك للانقسامات التي وقعت داخل الجبهة الشعبية و حرب الزعامة بين شقي منجي الرحوي و حمة الهمامي و نتيجة أيضا لعدم مراجعة اليساريين في تونس لخطابهم السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الذي لا يقتصر في كثير من الأحيان سوى على مهاجمة حركة النهضة أو التيار المحافظ في تونس وعدم الدفاع عن الثوابت و القيم المجتمعية الوسطية في القضايا المتعلقة بالميراث وظاهرة الشذوذ وغيرهم باعتبار وان السواد الأعظم من التونسيين يعارضونها .
نهاية ” اليسار ” في تونس في هذا السياق اعتبر القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي خلال ندوة انتظمت بالعاصمة بعنوان “اليسار بعد الانتخابات …نهاية جيل ” أن ما أفرزته الانتخابات الأخيرة من نتائج مثلت خيبة أمل لمناصري و مناضلي اليسار سببه أنانية زعمائه الذين دخلوا مرحلة الصراع الشخصي عوض الدفاع عن مشروع التنظيم .
كما أضاف الجلاصي أن اليسار التونسي لم يكن ملكا لليساريين أو الذين يرفعون شعار اليسارية ، مؤكدا على أن ما تعيشه تونس من زخم سياسي كبير يجب أن يبنى حول الأفكار و حول التنظيمات و حول التجديد و التطوير و تابع قائلا ” من لا يتجدد لا يتطور “. و قال القيادي في النهضة إن اليسار التونسي شأنه شأن الإسلاميين” التوانسة” و القوميين و الوطنيين التونسيين الذين قامو بأدوار معينة قبل الثورة .
كما اعتبر الجلاصي أن الثورة مثلت أفقا جديدا مختلف تماما و أن الأفكار التي لا تتجدد في شعاراتها و في خطابها و في مضمونها و في صيغ عملها ستضمحل بالضرورة ، مشيرا إلى أن اليسار عليه مراجعة أفكاره و و عليه أن يتجه نحو تشاركية أكثر نحو أفقية و أكثر اقترابا من الواقع .
و نفى الجلاصي أن تكون نتائج الانتخابات الأخيرة نهاية لليسار قائلا:” ربما نحن أمام نهاية مرحلة يسار و لعلها فرصة للانفتاح خارج أسوار التنظيمات و الثكنات التي انتهت مرحلتها بصدور نتائج انتخابات 2019 الرئاسية و البرلمانية .
من جانبه حمّل القيادي بالجبهة الشعبية و عضو البرلمان السابق عبد المؤمن بن عانس في حديث ” لمغرب نيوز” المسؤولية الكاملة لفشل اليسار في الاستحقاق الرئاسي و البرلماني لهذا العام لأحزاب اليسار، مضيفا أن هذا التيار لم يشكل قوة جاذبة و مؤثرة على المواطنين كضمانة لدخول هذا السباق الانتخابي فضلا عن تأثير الخصومة و التشتت بين مرشحي هذا التيار بقطع النظر عن حيثيات الخلافات بينهم.
كما دعا بن عانس إلى ضرورة المراجعة و التغيير من أجل المحافظة على مكانة اليسار في خارطة الأحزاب السياسية و الدفع نحو إعادة تموقعه و تثبيت وجوده كقوة سياسية و اجتماعية حاملة لمشاريع بديلة و عملية، تقطع مع الشكل النمطي الذي دأب عليه اليسار التونسي” كتيار نخبوي احتجاجي و معارض للسلطة وفق تعبيره ”
بدوره قال أمين عام الحزب الاشتراكي محمد الكيلاني في حديث ” لمغرب نيوز” إن الهزيمة التي مني بها اليسار في الانتخابات كانت متوقعة طالما أن هذا التيار لم يمض في خيار توحيد القوى و الاقتراب من واقع التونسيين ليس في مستوى الخطاب فحسب و إنما بتشكيل قوة حماية للشعب وفق مشاريع و برامج وطنية و اجتماعية قابلة للتنفيذ دون الاكتفاء بالخطاب. و اعتبر الكيلاني أن هذا الشق لم يستفد من أخطاء انتخابات 2014 رغم ما حظيت به الجبهة الشعبية آنذاك من التفاف و تعاطف شعبي معها فضلا عن مساندة قوى اليسار للمرشح للرئاسية حمة الهمامي خاصة أنها تزامنت مع مرحلة مخاض سياسي بعد حادثتي اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي.
كما أضاف أمين عام الحزب الاشتراكي أن الفشل في انتخابات 2019 لم يكن لليسار فحسب و إنما شمل أحزاب و تيارات ليبرالية و من اليمين و غيرها. و أرجع ذلك إلى تداعيات ما تعيشه بلادنا في هذه المرحلة من أزمة عميقة و شاملة ألقت بثقلها على الوعي الجمعي خاصة في ظل تفشي بعض الظواهر السلبية و توسع دائرة الفقر و الخصاصة و الجوع. و رأى الكيلاني أن اليسار مطالب باستعجال البحث عن الحلول للتخفيف من تداعيات التراجع المفزع في انتخابات هذا العام و ذلك بضرورة التقاء جميع الأطياف اليسارية و تجميع الفرقاء السياسيين و نزع الجميع “للعمائم” و التوجه لوضع المقاربات الكفيلة بتطويق الأزمة و إنقاذ الوضع وذلك عبر تكوين قوة اجتماعية يسارية قادرة على التصدي للمخاطر لأنه يرى إذا فات هذا الأوان فلا يمكن لليسار أن يتعافى إلا بعد وقت طويل و هزات عديدة.
و للتذكير فإن اليسار فاز في انتخابات 2011 بثلاثة مقاعد لتضاعف العدد في 2014 بالحصول على 15 مقعدا في البرلمان في حين كان حمة الهمامي مرشح الجبهة الشعبية في انتخابات 2014 آنذاك الثالث في ترتيب المترشحين و تحصل على 7.82 % المقدرة ب255529 صوتا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *