ماهو مستقبل اليسار التونسي بعد الانشقاقات داخل الجبهة الشعبية ؟

عزيزة بن عمر
اختتم حزب العمّال الأحد مؤتمره الخامس الذي انتهى بانتخاب حمة الهمامي أمينا عامّا للحزب، من قبل أعضاء اللجنة المركزية الجديدة للحزب، وعددهم 19 عضوا.
وتواصلت أشغال المؤتمر على امتداد 5 أيّام و هو أوّل حزب تدوم أشغاله كل هذه الفترة، وفقا لما أفاد به القيادي في حزب العمال عمّار عمروسية، مضيفا أن هذه الفترة المطولة تهدف إلى أن يكون النقاش حول مجمل القضايا معمّقا وخاصة معرفة ما يجب القيام به في ظل الوضع الاقتصادي بالبلاد.
حمّة الهمامي أمينا عامّا رغم عدم حصوله على الأغلبية :
و بخصوص انتخاب حمة الهمامي أمينا عامّا للحزب رغم عدم تحصله على أغلب الاصوات، (161 صوتا لعمار عمروسية في مقابل 160 صوتا لحمة الهمامي) قال عمروسية: “عملية الانتخاب تمت بصفة شفافة ونزيهة وانتخب الرفيق حمة الهمامي من قبل اللجنة المركزية مرة أخرى أمينا عامّا للحزب، وليس بالضرورة من تحصل على أكبر عدد من الأصوات أن يكون هو أمينا عامّا مثلما هو الحال في اتحاد الشغل”.
وتابع بالقول: “نحن 19 عضوا في اللجنة المركزية ولم يتقدّم أيُّ منّا للأمانة العامة لأننا مقتنعون وبوعي كبير بأن الرفيق حمة الهمامي هو الأكثر قدرة على أن يكون الأمين العام للحزب”.
وأفاد عمار عمروسية بأن اللّجنة المركزية تتكون من 19 عضوا منهم 7 من الشباب على غرار وائل نوار وألفة البعزاوي و3 نساء، مشيرا إلى أن عدد النساء ليس بالقدر الكافي، لأنهم لا يريدون أن تكون مشاركة المرأة صوريّة.
وأوضح عمروسية أن عدد المؤتمرات والمؤتمرين 171، لكن شارك في عملية الانتخاب 165 بسبب تغيب 6 مؤتمرين لأسباب معلّلة.
استقالات بالجملة :

و يأتي المؤتمر الخامس في سياق أزمة تنظيمية على مستوى الحزب، وعلى مستوى الجبهة في حد ذاتها. فالمناكفات التقليدية بين حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، أصبحت اليوم أكثر تواترا بما من شأنه أن يعرض الجبهة إلى حالة من التصدع، وفي أحسن الأحوال تهديد الموقع الاعتباري لحمه الحمامي كناطق رسمي باسم الجبهة، وتعويضه في قادم الأيام بآخر. في هذه الحالة يبدو حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أوفر حظا في فرض خياراته.
أما على مستوى الحزب، فقد أعلنت مجموعة من الكوادر حزب العمال عشية انطلاق المؤتمر الخامس إلى استقالتها من الهياكل التنظيمية للحزب. وهي استقالات قد تجاوزت المائة والأربعين ناشطا، بين قيادات محلية وجهوية ومركزية، في أكبر استنزاف عرفه الحزب منذ تأسيسه منتصف الثمانينات، على الرغم من كثرة الانشقاقات التي باتت من طبيعة التنظيمات اليسارية في تونس، منذ التأسيس.

المستقيلون عزوا أسباب استقالتهم إلى “خطورة الأوضاع داخل الحزب”، وانسداد الأفق أمام دعوات الإصلاح، وفتح نقاش جدي حول تصحيح المسار والنهوض بالحزب، و”تراجع أداء الحزب على جميع المستويات، وخاصة فشله في الانغراس في الطبقة العاملة وفي صفوف الشعب، وكذلك فشله في الحفاظ على وحدة الجبهة وتطوير أدائها” كما ورد في عريضة الاستقالة.

فشل في إعادة تطوير الخطاب و تجاوز الإرث الإيديولوجي اليساري

فشلت الجبهة الشعبية في إعادة تطوير خطابها وتجاوز إرثها الإيديولوجي اليساري، وتطوير رؤيتها للمشهد السياسي في البلاد بعد ان اختزلته في الصراع الوجودي مع حركة النهضة ، حتى باتت في عزلة سياسية.
فشل يؤكّده كلام القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد منجي الرحوي. حيث دعا الرحوي، في تصريحات صحفية سابقة ، الجبهة إلى أن “تغيّر خطابها و سلوكها خلال الفترة المقبلة”. معتبرا أنّ “الانطباع العام عند الشعب التونسي أصبح يربط الجبهة بالرفض الدائم لجميع المقترحات، وبالمعارضة الدائمة والجذرية للسلطات الحاكمة”.رصيد الهمامي تآكل بسبب تكراره لنفس الخطاب منذ سنوات

واعتبر الرحوي خطاب، المتحدث الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي،” غير مقنع و مكرّر و رصيده أصبح ضعيفاً، و هو في حاجة إلى الراحة و التجديد وتقديم أشخاص آخرين قادرين على تقديم الإضافة”. ورأى أن “رصيد الهمامي تآكل بسبب تكراره لنفس الخطاب منذ سنوات”.

أزمة زعامة في اليسار التونسي :

لا يحجب تكتل الأحزاب اليسارية التونسية ضمن ائتلاف موحد يسمى “الجبهة الشعبية”، الخلافات العميقة بين هؤلاء اليساريين.

فحسب محللين، يمكن تلخيص هذه الاختلافات في قضايا عدة من بينها الزعامة و الخلافات الفكرية و الخط السياسي.

و في هذا الصدد، يرى المحلل السياسي، معز الباي، “وجود أزمة زعامة في اليسار التونسي، تاريخيا، إذ إن كل حزب يساري في البلاد بُني حول شخصية معينة تحتكر القرارات الكبرى وتسطر برامجه”.

ويضيف الباي: “الشخصنة مشكل أبدي في الأحزاب اليسارية التونسية، لكل مدرسة يسارية زعيمها، الذي يمثل بالنسبة لمناصري الحزب رمزا يصل إلى مرتبة القدسية”.

و بالنسبة لأزمة اليسار التونسي في الوقت الراهن، يقول الباي “على الرغم من وجود شبه إجماع في الظاهر على شخصية حمة الهمامي كزعيم موحد لليسار، إلا أن هذا لا يخفي صراعات خفية بين قيادات الجبهة الشعبية ومكوناتها، إذ يعتقد كل طرف بأحقيته في تولي القيادة”.

وعن أسباب هذه الأزمة، يرى المتحدث نفسه أنه “يعود إلى غياب مؤسسات قوية داخل الجبهة يمكن من خلالها إدارة الأزمات وبالتالي فإن إسناد الملفات الكبرى في أي مؤسسة إلى الأشخاص بدل المؤسسات يقود بالضرورة إلى أزمة قيادة”.

خلافات فكرية عميقة:

من جانب آخر، يؤكد المحلل السياسي عبد الجليل معالي، في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، أن “الأحزاب اليسارية في تونس (سواء كانت ماركسية أو قومية) ما زالت تتصرف وتتعاطى بمنطق التيارات الفكرية، ولا تمارس العمل السياسي بوصفها أحزابا حقيقية”.

ويضيف المتحدث نفسه “لا تزال التيارات اليسارية تحتفظ بخلافاتها القديمة، بين الإرث اللينيني والإرث التروتسكي والماوي وغير ذلك من المدارس الفكرية، وهو ما سمح للبعض بإطلاق وصف السلفية اليسارية على هذه التيارات”.

ويردف: “الخلافات ستبقى قائمة في صفوف اليسار التونسي ما لم تبرح التيارات اليسارية موضع الأيديولوجيا وتتجه إلى الأداء السياسي الفعلي الذي يقرأ الواقع التونسي كما هو بخصوصياته”.

ويشير معالي إلى “ضرورة أن تحيّن التيارات المختلفة لليسار التونسي قراءتها للواقع السياسي، وأن تؤصلها فعليا، بدل الإصرار والمواظبة على الوفاء للأيديولوجيات”.

وفي سياق ذي صلة، يرجع المحلل السياسي عبد الجليل معالي ضعف الأداء السياسي لليسار التونسي بعد الثورة إلى “الاختلافات والانقسامات وعدم حرص بعض التيارات على تقريب أفكارها وخطها السياسي، ما أدى إلى تأجيل حلول اليسار في موقعه الذي يفترض أن يضطلع به باعتبار أحقية التاريخ ومشروعية الأفكار”.

ويضيف: “بعد الثورة ارتفعت آمال اليساريين في تونس باعتبار أن مطالب الثورة كانت متقاربة مع أفكار اليسار وبرامجه، ما أدى إلى ارتفاع ثقة المواطنين بوجاهة تلك الأفكار غير أن الانقسامات الكبيرة في هذا التيار السياسي أثّرت بشكل عميق على أداء هذه الأحزاب، إذ فشلت في التقاط اللحظات السياسية السانحة”.

ويرى المتحدث نفسه أن “هذا التشتت حال أيضا دون تحول أحزاب اليسار إلى قوى تنافس فعلا على الحكم، أو على الأقل تجعلها قوة معارضة وازنة، تتصدر الموقع الوسط بين اليمين الديني واليمين الليبرالي”.

بحسب المراقبون :

خروج الصراعات الداخلية للجبهة الى العلن، حسب عديد المراقبين, قد يشكل المرحلة الاولى نحو خلافات حادة و انشقاقات جذرية. ويؤكّد المراقبون ، امكانية تصدع الجبهة الشعبية واندثارها إذا لم تسارع إلى إصلاح بنيتها الداخلية، ومراجعة نمط خطابها، وتداول المواقع داخل هياكلها.

وتكشف التصريحات والتصريحات المضادة بين قيادات الجبهة الشعبية, حالة التصدع التي تعرفها الجبهة وعجز مكوناتها عن تحويلها إلى تنظيم فاعل ومهيكل، نتيجة حالة التصلب الإيديولوجي والخطاب المتكلس الذي تقدمه للناس على لسان ناطقها الرسمي حمّة الهمامي.

ويؤكد خبراء أن جميع الأحزاب تتطوّر في رؤيتها وسلوكها وتتكيّف من أجل التغيير، الا الجبهة الشعبية, فإنها لم تعرف تطورا في رؤيتها ولا سلوكها منذ تأسيسه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *