في عيد ميلادها 38.. هل مازالت النهضة قوية ؟

كان ذلك يوم 6 جوان 1981 وعلى هامش مؤتمر صحفي عقده الخُماسي راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وزاهر المحجوب وبن عيسى الدمني والحبيب المكني، وقبل 38 سنة ولدت الفكرة بشكل رمسي تحت مسمى الاتجاه الإسلامي، ثم وقبل 47 سنة ولدت الفكرة بشكل جدي سنة 1972 في تونس العاصمة في ضاحية مرناق في بيت الشيخ عبد القادر سلامة، يمكن تسمية تلك المناسبة بلقاء التأسيس او ما سمي بـــ”اجتماع الأربعين”، في تونس العاصمة كان اللقاء الأول الحاسم، بعده بتسع سنوات وفي تونس العاصمة كان البيان الأول الحاسم، وفي يوم 20 مارس 1972 وفي مدينة سوسة كان الموعد الأول مع السجون، وفي سنة 1979 عقدت الجماعة مؤتمرها السري الأول.

خلال اللقاء الاول الجامع اصبح اسمها الجماعة الاسلامية، وخلال المؤتمر الصحفي الأول تحول اسمها التأسيسي الى حركة الاتجاه الإسلامي، وفي سنة 1989 تحولت الى حركة النهضة.. انطلقت سنة 1969 وأعلنت عن نفسها يوم 6 جوان 1981، وتحصلت على التأشيرة يوم 1 مارس 2011. تداول على قيادتها 13 من الرؤساء. عقدت مؤتمراتها في تونس “عدة مرات”، منوبة، سوسة، سليمان، صفاقس، سويسرا، هولندا، بريطانيا. تفرق أنصارها على جميع سجون البلاد وعلى جميع مقابر البلاد وعلى جميع قارات العالم.

تعتبر النهضة المكون الاسلامي الاول في العالم العربي الذي تقدم بطلب للحصول على تأشيرة حزب. كما يعتبر زعيمها راشد الغنوشي الشخصية الإسلامية الاولى التي أقرت بحق الشعب في اختيار من يحكمه بغض النظر عن معتقداته، حين أكد في حوار صحفي شهير سنة 1980 ” نحترم إرادة الشعب لو إختار الحزب الشيوعي ولكننا نعمل من بعد ذلك على تغيير موازين القوى بالوسائل السلمية”، كما تعتبر الحزب الأول ربما في العالم الذي تعرض الى الاذى والملاحقة والتشويه حين كان في المعارضة وحين أصبح في السلطة، لما كانت قواعده وقياداته في السجون ولما كانوا خارج السجون، بما يعني ان حركة النهضة عاشت المحنة منذ نشأتها خلال ستينات القرن الماضي الى يوم الناس هذا بلا انقطاع. وقدمت خلال هذه المحنة الطويلة آلاف من السجناء والمشردين والشهداء، وبخلاف الاحزاب الاخرى عبر العالم التي تعرضت الى المحن، وطالت أحكام الإعدام عناصرها، فإن بن علي خيّر القيام بإعدامات خارج القانون، لذلك تكاد تكون حركة النهضة الحزب الوحيد الذي قامت السلطة بتصفية جميع شهدائه دون الاعتماد على القضاء والمحاكم، وهو أيضا الحزب الذي تعرض الى مفارقات عجيبة، فبعض سجنائه طافوا جميع السجون التونسية، وأحد السجناء تم دفنه في خراسان الجسور، من العجائب ايضا ان احد المهجرين ولما توفي في المهجر ولان والدته مصابة بعدة أمراض منها القلب، كلما سالت الام عن ابنها خرج شقيقه الى الشارع وهاتفها على انه ابنها المتوفي، ظل الأمر كذلك الى ان توفيت الأم وهي تعتقد ان ابنها مازال على قيد الحياة، ومن عجائب ما تعرض له سجناء هذا الحزب، ان البوليس يقوم بتعرية الكل بمن فيهم الأب والابن، ويقوم بتصفيف جميع السجناء، ثم يتعمد وضع الاب خلف ابنه او العكس! من غرائب ما حصل ويحصل لأنصار هذا الحزب، ان جلادهم يصفهم بتجار الدين، ثم يسب الدين ليستفزهم، ويصفهم بالمنافقين ثم يلوث المصحف ليؤذيهم، وحين وصلت الحركة الى السلطة، يتهمها خصومها بتشويه الدين الإسلامي، ثم يجاهرون بالإفطار لاستفزاز أنصارها ويجاهرون بالفاحشة ويدعون الى المثلية نكاية فيها، يتهمونها بالدعوة الى دين مشبوه، وفي الاثناء يقومون بإغلاق مدارس القرآن التي تدرس الدين الغير مشبوه ويدعون الى اغلاق المساجد وتحويلها الى خمارات وملاهي، ومن اغرب ما صدر عنهم، انهم يتهمون النهضة بمعاداة الديمقراطية، ويسعون الى استبدال الديمقراطية بالعسكراتية.

في ذكرى تأسيسها، مازالت النهضة تعاني من منصات المال والإعلام ومراكز النفوذ الذين يشوهونها حين تنتصر”2011″ وحين تتراجع”2014″ حين تتحالف مع انصار الثورة “مؤتمر تكتل” وحين تتوافق مع المنظومة القديمة “نداء”، حين تدخل السلطة بقوة على غرار حكومة المجلس التأسيسي، يصفونها بالتغول، وحين تدخل السلطة بشكل ضعيف”2014” يصفونها بالخبث، هاجموها حين حكمت بطريقة مباشرة من شرفات القصبة، وهاجموها حين حكمت بطريقة غير مباشرة، من شرفات باردو.

لا ندري ان كانت النهضة في عيد ميلادها 38 أضعف ام أقوى من ذي قبل، لا ندري ان كانت بورصتها في صعود ام في نزول، لا ندري ان كانت ستخرج متماسكة من محطتي 2019 و 2020 ، لا ندري ان كانت مهمة جدا في الساحة السياسية التونسية، لا ندري ان كانت ركيزة معتبرة تسند التجربة في الداخل وتهش الدخيل، أم انها كما يقول خصومها ليس لها من دور يذكر فيشكر، لا ندري أهي قوية كما تقول النتائج ام ضعيفة كما يقول الفرقاء، كثيرة هي الأشياء التي لا ندريها بحكم الالتباس، فقط نحن ندري ان رؤساء بعض الأحزاب يتحدثون في كل الميكروفونات ويطوفون على كل الفضائيات ويرددون كل الطروحات، ثم في الصباح ينسى الناس ما قولوا، بينما رئيس النهضة قال “عصفور”، فشغل الساحة لأيام بلياليها.. هاهنا في تونس، العصافير تزقزق والسماء غير صافية.. هاهنا نهضة تطفئ شمعتها وجبهة تمسح دمعتها.. وثورة تستكمل قصّتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *