فوز حركة النهضة … الدلالات و الرهانات .. بقلم بحري العرفاوي

لم تكن المنافسة مريحة في انتخابات 06 أكتوبر 2019 البرلمانية، ولم يكن الفوز سهلا كما صرح الأستاذ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الفائزة بالمرتبة الأولى و بفارق محترم على حزب قلب تونس.

 

صعوبة المنافسة

المنافسة لم تكن مريحة كما كانت في 23 أكتوبر  2011 ولا حتى كما انتخابات أكتوبر 2014 حين كانت في منافسة مع حزب نداء تونس.

هذه المرة كانت حركة النهضة في مواجهة وضعية صعبة للغاية حيث تفكك شريكها التقليدي وتوفي زعيمه رحمه الله وحيث ضعف الشريك الثاني المحتمل وهو حزب “تحيا تونس” لصاحبه يوسف الشاهد، وحيث فاجأت الانتخابات الرئاسية في دورها الأول كل التونسيين بتأهل نبيل القروي للدور الثاني صحبة قيس سعيد المرشح المستقل والذي لا يستند إلى حزب أو حركة يستمد منهما الدعم، نبيل القروي الذي لم يكن شخصية سياسية ولم يتقدم للتونسيين ببرنامج انتخابي ولا يملك رؤية لا في السياسة ولا في الثقافة ولا في الاقتصاد وإنما تسلل إلى الساحة السياسية من خلال الأعمال “الخيرية” فاستمال بها قلوب وبطون المحتاجين ولم يستمل عقولهم ووعيهم ومبادئئهم.

نبيل القروي صاحب الحزب “الطارئ” “قلب تونس” صار منافسا قويا لحركة النهضة الحزب الأعرق والأقوى والأكثر نضالية والأسرع حركة مقارنة بكل الأحزاب يسارية كانت ليبرالية ، عروبية أو دستورية.

من أين اكتسب نبيل القروي وحزبه هذه المقبولية لدى فيئة واسعة من التونسيين؟ كيف اجتذب إليه عددا من الإعلاميين وأدعياء الفكر والثقافة يدافعون عنه ويبررون ممارساته اللاقانونية ويطالبون بإطلاق سراحه متدخلين في شأن القضاء؟.

لم تكن المنافسة سهلة لكون الحركة كانت تواجه أكثر من “خصم” ولكونها خاضت الانتخابات تحت وابل من القصف الإعلامي وموجات من حملات التشويه والاتهام والمزايدة عليها في النضالية والمبدئية والثورية والنضالية.

 

دلالات الفوز

ما يمكن استخلاصه من فوز حركة النهضة بالمرتبة الأولى رغم ما تعرضت له من حملات إعلامية ومن ترذيل وتشويه، هو:

ـ أن كثيرا من التونسيين لم تعد لتنطلي عليهم الإشاعات والأكاذيب وأنهم أصبحوا يفكرون لأنفسهم ويحكمون بعقولهم ولا يقبلون بوصاية الآخرين عليهم.

ـ أن أبناء الحركة فهموا قانون “اللعبة” وانخرطوا مع الناس في الفضاءات العامة حتى يتعرف عليهم أبناء وطنهم عن قرب فلا تكون المسافة المكانية سببا في مسافات نفسية وذهنية يتسلل منها المشوهون والمدلسون.

ـ أن ما قام به مناضلو الحركة من جهد اتصالي في الحملة الانتخابية لم يكن بسيطا بل كان جهدا مضاعفا جبارا وخاصة ما قام به الأستاذ راشد الغنوشي من تحركات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وقد ذكرنا بتحركاته في انتخابات 2011 وانتخابات البلدية الأخيرة التي تبوأت فيها الحركة المرتبة الأولى.

ـ أن التونسيين مازالوا يثقون في حركة النهضة ويعطونها فرصة جديدة لتدارك أمرها وممارسة الحكم فعليا ومعالجة مشاكل الناس الحقيقية وعنوانها التنمية والتشغيل والأمن.

ـ أن منتسبي الحركة ومناضليها قد تجاوزوا خلافاتهم المترتبة عن قائمات التشريعية وتجندوا جميعا لخوض معركتهم المصيرية في انتخابات تبدو محددة لمصير الحركة والبلاد بالنظر لما يتهدد الجميع من مخاطر الاختراق الأجنبي عن طريق منافس تحوم حوله شبهات الارتباط بقوى أجنبية ودوائر “خطرة”.

 

رهانات الفوز

هذا الفوز سيمنح حركة النهضة حق تشكيل الحكومة القادمة وستحتاج في هذه المهمة تحالفات مع عدة أطراف تشترك معها في عناوين كبرى أهمها: أشواق الثورة، تحقيق التنمية والعدالة والأمن، محاربة الفساد والجريمة، الدفاع عن السيادة الوطنية وعن استقلالية القرار والسيادة على الثروات.

هذا الفوز لا يُنظر إليه المناضلون الوطنيون على أنه فوز جماعة أو زعماء وإنما هو فوز التجربة الديمقراطية وفوز إرادة الناخبين وفوز الاستقرار والسلم الأهلي طالما أن التونسيين يحسمون خلافاتهم عبر الصناديق والحوارات وليس في الساحات وبأدوات عنيفة.

يُنتَظر من بعض قُوى أشواق الثورة أن تقبل بالمشاركة في حكومة تشكلها حركة النهضة بل يشتركون في تشكيلها لا على قاعدة المحاصصة وإنما على قاعدة الكفاءة والمصلحة الوطنية.

لم يعد متسعٌ من الوقت للعبث ولخوض الخصومات الإيديولوجية على حساب معارك التنمية ومكافحة الفساد والجريمة، التونسيون ليسوا معنيون بمعارك إيديولوجية ولم يعد بمقدورهم تحمل تبعات العبث السياسي، لقد ذهب جمهور من التونسيين إلى من أمدّهم بالغذاء والغطاء والدواء ولم يسألوه عن أفكاره ومعتقداته بل شكروه على عطاءاته وهذا درس بليغ للساسة عليهم فهمه ومراجعته أكثر من مرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *