عبد الحسين شعبان والحرث المعرفي في قصة وطن .. ا.د. عامر حسن فياض

عودنا ( عبد الحسين شعبان ) على ولائم معرفية تفتح شهية العقل ، وآخر هذه الولائم هي وليمة ” سلام عادل-الدال والمدلول وما يمكث وما يزول ” تلك البانوراما الوثائقية للحركة الشيوعية .

Résultat de recherche d'images pour "‫ا.د. عامر حسن فياض‬‎"
حتى اللحظة يظل تأريخ العراق الحديث والمعاصر أرض بكر تعاني من يباب بحثي، بمعنى آخر أن أطنان الكتب والمؤلفات عن العراق قديمه ووسيطه وحديثه ومعاصره المعاش لا تسدّ استحقاقات كنوز من الأفكار والأحداث والشخوص التي لم تبحث بعد بحثاً حفرياً بمعول علمي موضوعي يقظ. واليباب البحثي المعرفي لتلك الأرض التي اكتنزت بالأفكار والأحداث والإعلام والمدارس يتأتى من غياب أو عدم اكتمال أو نقص نضوج المنهج في دراسة العراق ..
إن (عبد الحسين شعبان) كان وما يزال يحرص في كتاباته على المنهج ، فهو لا يكتف بالمعلومة، فحسب، بل يلاحقها ويفككها ويفسرها دون أن يسلّم بها تسليماً متسرعاً تتحكم فيه العشوائية والانتقائية والرغبوية، بل يهتم بالتفسير المنهجي للمعلومة أي أن ( شعبان ) يُمنهج كتاباته خصوصاً بعد أن نزع ثوب العقائدية والأيديولوجيا لينحاز إلى ركب الموضوعية والحيدة في البحث والكتابة، حيث اخذ يغادر العقيدية المعقدة والأدلجة المنحازة وفي الوقت ذاته ظل مهتديا بالبوصلة الوطنية ومسترشدا بالواقعية النقدية .. الواقعية التي لا تقع نزولا في دائرة الانحياز ولا تهبط صعوداً إلى فضاء المبالغة.
وتلك البوصلة وذاك الاسترشاد تلمسناه عند عبد الحسين شعبان في معظم إن لم نقل في كل نتاجاته الـ 69 كتاباً في مختلف فنون المعرفة ( قانون – سياسة –أدب-فكر واديان –ترجمات ) بدأ بنشرها منذ عام 1981 حتى أصبح اليوم يستحق بجداره تسميته بالمفكر .
إن الكتابة عن شخصية رمزية كسلام عادل الذي ختم حياته بالعطاء ببطولة استشهاده الأسطوري ، كما يقول شعبان ، هي كتابة عن قصة وطن .ويضيف شعبان ” لا يمكن الكتابة عن سلام عادل دون الكتابة عن جزء مهم وحيوي من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ، بل وتاريخ العراق المعاصر ، وحين نتحدث عن تاريخ الدولة العراقية الحديثة ، فلا بد أن نتناول تاريخ اليسار العراقي والحركة الشيوعية ولن تمر عليها إلا الخط العريض وليس مروراً عابراً .سلام عادل كانت له إسهامات في الفكر ومنجزات في الممارسة . وهو كان قد نشأ في بيئة مجنونة بالتاريخ بيد انه استحضر التاريخ لكي يغادره دون أن يسترجعه ليعيش ويعتاش منه .
وحتى شعبان تأثر بمعادلة ( الاستحضار والاسترجاع ) للتاريخ فكتب عن سلام عادل لكي يستحضر انجازاته وإضافاته لا لكي يسترجع مآسي وتداعيات الحقبات المفخخة بالدماء والقهر والتناحر في المشهد السياسي العراقي الملكي والجمهوري الأول والثاني .
ولان العراق كان وما يزال لا يستحق ماضيه الدامي وحاضره المضطرب بل يستحق مستقبل أفضل فقد تطلع عبد الحسين شعبان في كتابه عن سلام عادل إلى المستقبل فكتب عن العدالة الانتقالية من خلال سردية استشهاد سلام عادل . فبدلا من مشهد الدم بين القوى السياسية الذي كان سائدا زمن سلام عادل يطالب شعبان بالركون إلى مشهد حوار العقل بدلا من مشهد حوار الدم .
وتتلخص ابرز منجزات سلام عادل كما يرى عبد الحسين شعبان في :-
o استعادة وحدة الحزب الشيوعي العراقي وتجميع قواه بواسطة البحث عن الجوامع والمشتركات بعيداً عن التخوين والتهميش والتأثيم .
o من سمات سلام عادل القيادية انه صاحب رأي متميز ومستقل ونقدي كما انه لم يكن يعرف المهادنة والتزلّف واسترضاء المسؤولين .
o نظّم سلام عادل الكونفرنس الثاني للحزب عام 1956 الذي أنتج معطيات وعطايا ايجابية بمساهمة متميزة منه وأهمها :-
– انتخاب لجنة مركزية جديدة للحزب بعد أن كان اختيارها في الغالب بالتعيين .
– اعتماد الكفاح الجماهيري السلمي أسلوباً في مواجهة سلطات العهد الملكي وطريقا في النضال السياسي .
– التأكيد على أطروحة التحرر الوطني والقومي في البيان الختامي للكونفرنس .
– التأكيد على الأخوة العربية الكوردية وحق التحرر وتقرير المصير والتحالف بين الحركتين التحرريتين العربية والكوردية .
– التحضير لجبهة الاتحاد الوطني 1957 وعلاقته المهمة مع شبكة الضباط والجنود مع الإشراف على التنظيم العسكري للحزب والإعداد لثورة 14 تموز 1958 من خلال علاقته مع الضباط الأحرار .
وفي هذا الصدد يطالب عبد الحسين شعبان بضرورة العودة إلى قراءة وثائق هذا الكونفرنس لأنها تشوهت فيما بعد أو أهملت .
وعند ذلك فأن عبد الحسين شعبان يحرّضنا كما يحرض غيرنا على مواصلة السير في هذا الدرب، أي درب الحرث المعرفي في قصة وطن اسمه العراق .

نشرت في صحيفة الزمان العراقية في 9 /3/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *