ردا على محافظ البنك المركزي…الرجوع الى الحق فضيلة…بقلم جنات بن عبد الله

أثار تدخل محافظ البنك المركزي في الندوة الصحفية التي نظمها عن بعد يوم الخميس 1 أكتوبر 2020 لتوضيح القرار الذي أعلن عنه مجلس إدارة البنك المتعلق بالتخفيض في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي بخمسين نقطة، تساؤلات خطيرة بخصوص حقيقة الوضع الاقتصادي والمؤشرات المالية والاقتصادية.

ففي الوقت الذي بشر فيه محافظ البنك المركزي بوجود انتعاشة تدريجية للإنتاج الصناعي والمبادلات الخارجية استنادا الى مؤشرات الظرف الاقتصادي الأخيرة، كما جاء على لسانه دون تحديد الفترة الزمنية التي جاءت غامضة ضاربا بذلك معيار الدقة والوضوح التي يجب أن تستند اليها تصريحات وتدخلات محافظو البنوك المركزي في العالم، تؤكد احصائيات المعهد الوطني للإحصاء المتعلقة بمؤشر الإنتاج الصناعي للأشهر السبعة الأولى من سنة 2020، تؤكد تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة 7.4 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.

هذا التراجع يعود أساسا، حسب نشرية المعهد، الى التراجع المسجل في قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 20.9 بالمائة، وقطاع النسيج والملابس والجلد بنسبة 25.4 بالمائة، وقطاع مواد البناء والخزف والبلور بنسبة 19.7 بالمائة، وقطاع منتجات نجارة الخشب بنسبة 16.7 بالمائة، وقطاع الورق والورق المقوى بنسبة 18.9 بالمائة، وقطاع معملية أخرى بنسبة 20.6 بالمائة.

أما بخصوص الانتعاشة التدريجية للمبادلات الخارجية، والتي لم يوضح تفاصيل القطاعات المعنية، فهي تعود حسب احصائيات المعهد الوطني للإحصاء المتعلقة بالتجارة الخارجية للأشهر الثمانية الأولى من السنة الى تحسن صادرات قطاع المنتوجات الفلاحية والغذائية بنسبة 10.2 بالمائة وتحديدا الارتفاع المسجل في صادرات زيت الزيتون للموسم 2019 – 2020 وذلك رغم التهميش والتجاهل الذي يعاني منه قطاع الفلاحة والصيد البحري في بلادنا بما يؤكد ويكشف بكل مرارة عن هشاشة قطاع التصدير الذي بقي يقوم على الفسفاط وزيت الزيتون والتمور والقوارص وبعض منتوجات الصيد البحري وهي القائمة التي ضبطتها المجموعة الاقتصادية الأوروبية عند ابرام أول اتفاقية تجارية مع تونس في سنة 1969 وكرسها وثبتها الاتحاد الأوروبي في اتفاقيات التبادل الحر مع تونس بعد ذلك، في ضرب صارخ لكل مقدرات البلاد التي عملت كل الخيارات الاقتصادية والمالية على تدميرها منذ ذلك التاريخ.

ما يثير الاستغراب في مداخلة محافظ المركزي في هذا المستوى، هذه الثقة، التي لا نجد لها أي أثر في الاحصائيات الرسمية، في عودة الانتعاشة للاقتصاد التونسي خلال السداسي الثاني من السنة والحال أن السياسة النقدية المتشددة للبنك المركزي التي اتبعها منذ سنة 2016 قد ضربت كل محركات النمو وكل عوامل الانتعاشة الاقتصادية قبل كورونا وأثناء الجائحة رغم الاقدام على التخفيض في نسبة الفائدة المديرية ب150 نقطة.

ما يثير الاستغراب أيضا في مداخلة محافظ البنك المركزي تحليله لمزايا التخفيض في نسبة الفائدة المديرية بخمسين نقطة على المقدرة الشرائية للمواطن وعلى القدرة التنافسية للمؤسسة وتداعيات ذلك على دفع الطلب الداخلي من استهلاك واستثمار في الوقت الذي نزلت فيه هذه النسبة الى مستوى 1.5 بالمائة في المغرب و2 بالمائة في الأردن مقابل 6.25 بالمائة في تونس بعد التخفيض “التاريخي” الثاني.

محافظ البنك المركزي تغزل بقراره الأخير القاضي بالتخفيض في نسبة الفائدة المديرية حيث لاحظ “أن من شأن هذا التخفيض أن يخفف الأعباء المالية للقروض الممنوحة للشركات والأسر”.

هذا الغزل، دفعنا للتساؤل عن الأسباب التي جعلت السيد المحافظ ينتظر كل هذا الوقت للتحرك بعد انهيار الاقتصاد التونسي الى مستوى غير مسبوق بتسجيله انكماشا بنسبة 11.9 بالمائة خلال السداسي الأول من السنة.

فاذا كان للتخفيض في نسبة الفائدة المديرية بخمسين نقطة، فقط، كل هذه المزايا فانه يحق لنا مساءلة محافظ البنك المركزي عن حجم الجريمة التي ارتكبها في حق الشعب التونسي والاقتصاد الوطني ودفاعه المستميت عن نسبة فائدة مرتفعة لاحتواء تضخم أخذ مسارا تنازليا ليس بسبب سياسته النقدية المتشددة، كما يدعي، ولكن بسبب تدهور المقدرة الشرائية التي دفعت فئات من المجتمع التونسي الى الحاويات لتقتات منها.

ان خروج محافظ البنك المركزي بهذا الخطاب الوردي، وفي هذا التوقيت، يخفي وراءه حقائق خطيرة. فسياسة المغالطة يتم اللجوء اليها في فترات الأزمات العميقة، وتونس لم تخرج من هذه الأزمات منذ سبعينات القرن الماضي، وذلك بالتنسيق مع الجهات المستفيدة من تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلاد كتعبير منها عن رضاها على الحكومات التي لا رؤية لها ولا بوصلة كما هو الشأن اليوم مع حكومة المشيشي التي ستنخرط في خصخصة المؤسسات العمومية كما هو مبرمج من قبل صندوق النقد الدولي، وابرام اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي، كما هو مبرمج من قبل فرنسا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *