راشد الغنوشي : أدعو رئيس الجمهورية إلى العودة للدستور الذي أقسم عليه.. ولن أتأخر في الاستقالة

راشد الغنوشي لـ”الصباح”: أدعو رئيس الجمهورية إلى العودة للدستور الذي أقسم عليه.. ولن أتأخر في الاستقالة
-على قيس سعيد أن يؤجل برنامجه للحملة الانتخابية القادمة

– لا نرى مانعا في تغيير القانون الانتخابي في إطار الدستور وبعيدا عن الإرادة الفردية

-نحن في الطريق إلى مؤتمرنا من أجل تجديد وضخ دماء جديدة

-فعلا المشيشي تعرض للإهانة

تونس-الصباح

دعا رئيس مجلس نواب الشعب المجمدة أشغاله ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي رئيس الجمهورية إلى العودة للدستور وتأجيل برنامجه السياسي للحملة الانتخابية القادمة.

وأضاف الغنوشي في حوار لـ”الصباح” انه تعرض للتضليل يوم 25جويلية فبعد أن هاتفه قيس سعيد لإبلاغه نيته في تمديد حالة الطوارئ تفاجأ بعدها بإعلان التدابير الاستثنائية وتجميد أشغال البرلمان وهي إجراءات لم يناقشها أصلا مع سعيد.

كما تحدث رئيس حركة النهضة عن المكالمة الهاتفية الأخيرة مع رئيس الحكومة هشام مشيشي الذي أكد “تعرضه للمس من كرامته”.

*بداية كيف تقيمون الوضع العام في البلاد بعد الإجراءات الاستثنائية ليوم 25 جويلية؟

25 جويلية هو تاريخ بداية الانقلاب على مشروع الثورة وميلاد مشروع الرئيس قيس سعيد. وفي واقع الأمر فإن المشروعين يختلفان ممارسة ومعنى، إذ يقوم مشروع سعيد على الاستيلاء على السلطات وتجميعها بيد واحدة وقد كان تاريخ 25 جويلية موعدا للاستثناء الذي مثل خرقا جسيما للدستور وتفعيلا مشوّها للفصل 80 الذي أقر بضرورة التشاور والتنسيق مع بقية سلطات الدولة وكان الفصل واضحا في الدعوة للاستشارة مع كل من رئيس البرلمان ورئيس الحكومة والمحكمة الدستورية في حالة الخطر الداهم من أجل تجاوزه بإرادة جامعة لسلطات الدولة وليس مناسبة وذريعة لانفراد إحداها بكل السلطات كما فعل قيس.

*ولكن رئيس الدولة أكد في أكثر من مناسبة على انه استشار رئيس مجلس النواب؟

أولا لن أسفِّه السيد رئيس الجمهورية، ولكن ما قاله قيس سعيد بشأن استشارتي بخصوص يوم 25 جويلية، لم تكن سوى استشارة شكلية ووهمية حيث أنه تعوّد مخاطبتي بشكل روتيني كلما تعلق الأمر بتجديد حالة الطوارئ في البلاد. أما في ذلك اليوم فهو لم يحدثني أنه بصدد الاستعداد لتعطيل المجلس أو إنهاء مهام الحكومة أو أنه سيجعل من إرادته فوق إرادة الشعب والدستور وهو لم يطرح شيئا، فحسبت بأن الأمر يتعلق بقانون الطوارئ الذي اعتاد الرئيس أن يتصل بي كلما كان بصدد تجديده كما هو مقتضى القانون، فضلا عن أن الفصل المذكور لم ينص على الإنفراد بالسلطة في حالة الخطر الداهم بل يفرض تضافر كل مؤسسات الدولة وليس تعطيلها وهدمها من اجل مواجهة الخطر الداهم ليس بإرادة جماعية وإنما بإرادة فردية، فهو من باب استغلال الأزمات لتحقيق نوايا مبيتة في نفس يعقوب للإنفراد بالسلطة.

*كيف تلقيت خبر الإجراءات الرئاسية؟

في واقع الأمر كان الإعلان عن الانقلاب يومها صدمة كبيرة وهو ما دفعني وقتها للتعبير عن موقفي والحديث أمام وسائل الإعلام بوصف ما يحدث بكونه انقلابا كامل الأركان. وفي المساء ذهبت إلى المجلس مع النائب الأول لرئيس البرلمان السيدة سميرة الشواشي، فما راعني إلا أن وجدت دبابة أمام باب البرلمان وكأننا في حالة حرب وقد طلبنا من الضابط العسكري أن يفتح الأبواب حتى نلتحق بمجلس النواب الذي يحق لنا كرئيس للبرلمان ونواب الدخول إليه في أي وقت إلا انه رفض وتعلّل بأن لديه تعليمات. وقد كانت صورة مسيئة لتونس ولنا جميعا أن نقف أمام دبابة وهو ما أظهرنا أمام العالم أننا إزاء انقلاب سافر.
*ولكن قراءة سعيد للأوضاع العامة للبلاد وللفصل 80 هي التي حتمت عليه التحرك لإنقاذ البلاد؟

لا هذا غير صحيح، سعيد كانت تناولا مختلفا لهذا الفصل، إذ كان من المفترض أن تتم الدعوة لاستعماله لمجابهة الخطر الداهم، وتضافر كل سلطات الدولة من أجل مواجهة الخطر الداهم بدل استغلال الأزمة للإنفراد بالسلطة ولإزاحة بقية السلطات. وفي هذا السياق تأتي إجراءات 25 جويلية التي فتحت الباب للاستثناء ثم جاءت إجراءات 22 سبتمبر لتؤكد ان الاستثناء تحول إلى الأصل ليصبح الرئيس مستحوذا على كل السلطات بعد أن أضحت إرادته الفردية فوق الدستور وفوق كل مؤسسات الدولة انطلاقا من المرسوم 117 الذي منح به لنفسه سلطة مطلقة خارج الدستور لم يتمتع بها لا بن علي ولا بورقيبة.

أليس بغريب أن تتحول بلادنا إلى محور اهتمام وقلق للمنظمات الحقوقية التي كانت بالأمس القريب تصنف تونس في تقاريرها المتعلقة بالحريات والديمقراطية منذ الثورة في مراتب متقدمة ومشرفة في العالم العربي والإفريقي، بيد أنها عادت لتسلط الضوء إعلاميا وحقوقيا على المشهد في البلد ليس باعتباره نموذجا للديمقراطية بل نموذجا للانقلاب والتضييق على الحريات العامة والخاصة، فماذا ربحت تونس من هذا الانقلاب غير ضرب الرصيد الرمزي لتونس باعتبارها أيقونة للربيع العربي، للديمقراطية وللحريات، فتتحول من خلال 25 جويلية و22 سبتمبر إلى مثار انشغال للمؤسسات الحقوقية الدولية التي غابت عن تونس خلال العشرية الماضية، فعادت إلى تونس بقوة في العهد السعيد لـ25 جويلية، وما بعدها، مما أدى إلى عزلة قاسية لتونس إقليميا ودوليا، في وضع مالي واقتصادي واجتماعي خطير.

*على عكس ما تقول هناك تأكيدات على أن تاريخ 25 جويلية جاء كمسار تصحيحي للثورة؟

هذه مغالطة أخرى، فتاريخ 25 جويلية فتح الطريق لمصادرة الثورة والمبادئ العليا التي جاء بها الدستور مثل فصل السلطات واستقلال القضاء ليصبح معها الدستور والثورة من الماضي. مقابل ذلك هناك استعادة وحديث عن دستور 59 الذي أُعيد له الاعتبار بينما تلقى دستور 2014 من الانتهاكات، وصل إلى حد محاولة إعدامه أو تقويضه بالكامل.

*إذا كانت إجراءات 25 جويلية انقلابا فبماذا تفسر الخروج المواطني يوم 25 جويلية، بمعنى ألم يكن هذا الموعد الحل الأمثل للتونسيين ومشاغلهم؟

لم تكن إجراءات 25 جويلية أو 22 سبتمبر الحل الأمثل للأزمة ومشاكل البلاد بل على العكس من ذلك تماما إذ أن الموعدين المذكورين دفعا بنا إلى المجهول والاستبداد والتضحية بأهم رأسمال رمزي منحته لنا الثورة كوننا بلدا ديمقراطيا في مناخات وجغرافيا استبدادية، حيث ينظر إلى تونس كأيقونة ديمقراطية في محيط هادر بالطغيان العربي. فتونس ليست قوة عسكرية أو مالية وذلك على عكس ما يقوله السيد رئيس الجمهورية بأن تونس دولة غنية ولكنها منهوبة وأن الخطة الاقتصادية تقوم على استعادة المنهوب حتى نصبح أغنياء وهذا في اعتقادي شيء من الأحلام. تونس قوية وغنية بقواها الناعمة، ومدخلها الأساسي الحرية والديمقراطية والإبداع.

*كيف تفسر إذا الهبة الشعبية يوم 25؟

نحن نتفهم خلفية وأسباب خروج عدد من التونسيين فرحا ليلة 25 جويلية، هؤلاء تونسيات وتونسيون نقدر رأيهم ومشاعرهم عكس رئيس الجمهورية الذي نعت تونسيات وتونسيين آخرين نزلوا للشوارع رفضا لقراراته بشتى النعوت المشينة التي أدمن عليها الرئيس في توصيف مخالفيه.

قلت أني أتفهم أن ظروفا عديدة دفعت ببعض التونسيين إلى الخروج فرحا بإجراءات 25 جويلية منها ثقل الأزمة الصحية على نفسية التونسيين الذين بقوا حبيسي المنازل نتيجة حظر الجولان وقوة الدعاية المبرمجة مسبقا لتحميل البرلمان والديمقراطية مسؤولية كل ما آلت إليه الأوضاع حتى الصحية منها في تخطيط دقيق ومبرمج عبر شبكات التواصل الاجتماعي الممولة والموجهة من الخارج. هو مسار تراكمي لترذيل البرلمان والديمقراطية التونسية التي مثلت النموذج الاستثنائي عربيا ليقع وضع كل الشرور والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في حسابها حتى يسهل ضرب قيم الحرية والديمقراطية أولا في نفسية التونسيين ومخيلتهم وأخيرا في الواقع وفي آلية الحكم، لكن الأوهام سرعان ما تنقشع والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم وقد تم إلغاء العمل بالدستور وجمع كل السلطات في يد شخص واحد بطريقة غير مسبوقة، هل تحسّن الوضع الاقتصادي للبلاد؟ هل تحسنت وضعية الشعب التونسي اجتماعيا؟

ولكن لا أحد قادر على نفي أننا نعيش في دولة منهوبة؟

صحيح ،أن هناك أموالا منهوبة، ولكن ذلك لا يجب أن يتحول إلى محور للدمغجة أو مدخلا لترويج الطوباويات بما يفتح الأمل أمام الفقراء والشباب حيث يسود الاعتقاد عندهم أن الحل يكمن في استعادة تلك الأموال للخروج من حالة الفقر، والحال أن هذا الأمر غير صحيح لأنه لا يمكن بناء ثروة إلا بالعمل والجهد والوحدة الوطنية والحوار الشامل والعميق. هناك فساد قبل الثورة وخلالها، وقبل 25/7وبعدها، بما يفرض توفير الآليات التي تحد من الفساد ولكن دون أوهام، ودون تخويف وتهديد لرجال الأعمال أو تجريم للثروة الناتجة عن جهد وعمل، ما كان ذلك في إطار القانون وأداء حقوق الدولة والمجتمع في أموال الأغنياء.

*على ذكر الحوار كيف تنظر إلى الدعوة الرئاسية للحوار وهل يمكن أن تشكل حلا للوضع الرهن؟

من المهم التذكير أننا نعيش أزمة ثلاثية الأبعاد تشمل المسألة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكما هو معلوم فنحن إزاء وضع مالي خطير حيث أن بلادنا في حالة شبه إفلاس. أما سياسيا فالوضع متعثر ومهزوز، حتى الحوار الذي هو في الأصل أداتنا الوحيدة لمواجهة خلافاتنا أصبح محاولات وفرصة لاستقطاب الشباب وتوظيفه في عملية سياسية أحادية الرؤية بل وجعله خزانا انتخابيا تحت عنوان الحوار مع الشباب فقط. وكان من المفترض أن تعد تونس باخرة تحمل كل التونسيين حيث يجب التفكير العميق في أقوى السبل لضمان العيش المشترك وحقوق المواطنة بعيدا عن كل ضروب وذرائع الإقصاء. وأنا لم أستطع أن أتفهم رفض الرئيس وتفويته دعوة الإتحاد العام التونسي للشغل لقيادة حوار وطني ومن ثم تقديم خريطة طريق للخروج من الأزمة ودرء الخطر الذي نعيشه، فيأتي رد الرئيس متهكما: من أراد البحث عن خريطة طريق عليه بكتب التاريخ والجغرافيا. وفي تقديري أن هذا الأمر مقلق ومزعج لأنه لما فيه من مس بمكاسب الثورة والديمقراطية واستقلال القضاء، بل يجعل كل ذلك في خطر.

*عفوا، هنا يسود الاعتقاد أن الخطر الحقيقي كان قبل 25 جويلية حيث الوضع الصحي المتردي وفشل الحكومة في جلب التلاقيح؟

صحيح أن الأوضاع قبل 25/7 لم تكن بالأوضاع الجيدة بل كانت تحتاج إلى تغيير ولكن ليست على شاكلة جويلية التي لم تقدم حلولا للتونسيين بل زادتهم تفاقما، فقبل 25 كانت هناك حريات عامة حيث لا اعتقال لمدونين أو نواب أو تحريض بهذا الشكل.

*ماذا عن الوضع الصحي؟

الحمد الله أننا تجاوزنا الوضع الصحي الخطير، ولكن لماذا لم يقع تجاوز الأزمة الصحية قبل 25 جويلية الإجابة بسيطة جدا لأن الرئيس لم يقم بأي جهد أو دور ديبلوماسي لجلب اللقاحات وقد تبين بعد ذلك من ذلك أن الرئيس كان يخطط لانقلابه انطلاقا من الأزمة الصحية وما تلاها وسبقها من جملة من القرارات التي أسهمت في تعفين الأجواء إلى حد الاختناق مثل تعطيله للتحوير الحكومي وامتناعه عن أداء واجبه الدستوري في ختم القوانين ولكنه عطل السير في الاتجاه نحو بناء المحكمة الدستورية. والغريب في الأمر أن اللقاحات التي كانت شحيحة انتظرت تحرك 25 جويلية لتتوفر بكثافة وكأنها كانت واقفة على الحدود في انتظار إشارة.

*بهذا المعنى أنت تتهم سعيد بالتآمر على الحكومة وصحة التونسيين لتحقيق أهدافه السياسية؟

لا، أنا لم أتهم رئيس الجمهورية بالتآمر، بل اعتبر أن الرئيس قصّر في معالجة الأوضاع بعدم استعداده لجمع اللقاحات وبالتالي هو مسؤول أيضا عما حصل صحيا. أما سياسيا فهو مسؤول عن منعه التحوير الوزاري وتعطيل حكومة هشام المشيشي والمحكمة الدستورية، كما أن مسؤولية الرئيس ليست قبل 25 جويلية بل منذ انتخابه كرئيس للجمهورية التونسية ودوره في اختيار رؤساء الحكومات الذين سرعان ما عزلهم سواء كان ذلك مع الياس الفخفاخ أو المشيشي وهو من يتحمل مسؤوليتهم بعد تركه لمرشحي الأحزاب وإصراره على تمرير اختياراته.
ذكرت الآن هشام مشيشي وحركة النهضة أول من أشارت لاختفاء رئيس الحكومة يوم 25 وحصول اعتداء عليه فهل كانت هناك اتصالات معه يومها؟

اتصلت بالصديق هشام بعد نحو ساعة أو ساعتين من الانقلاب وتواصلنا معا بعد ذلك بعدد محدود جدا من المكالمات حتى أني لم التق به بعد ذلك. ففي إحدى المكالمات ذكر لي أنه عَلِم بأن اجتماع سيحصل ذلك اليوم بقرطاج فأخبرني أنه سيلتحق بالاجتماع إلا أنه حصل ما حصل، كما ذكر لي لاحقا في مكالمة أخرى أنه تعرض للإهانة. كما سألته كيف تعتبر نفسك الآن، فقال أعتبر نفسي رئيس حكومة إلا أن ذلك لم يستمر حيث أعلن بعدها بيوم واحد عن استقالته وأنه مستعد لأن يسلم السلطة لمن يختاره الرئيس، ولكن حسب علمي لم يسأله أحد لتسليم السلطة إلى من خلفه.

*إذا كان فشل الرئيس واضحا في اختيار رؤساء الحكومات فكيف تنظر لتجربة نجلاء بودن اليوم؟

الرئيس يعيد اليوم نفس التجربة مع السيدة نجلاء بودن التي لم تثبت كفاءتها إلى حد الآن والأمر لا يتعلق بامرأة كما قد يذهب ظن البعض، بل بالكفاءة والقدرة على استنباط الحلول لمشاغل الناس وهي قدرات لم تتوفر في من قذف بهم إلى شغل هذا المرفق الهام جدا. إذ كيف يمكن للبعض أن يتحملوا مسؤولية الشعب والحال أنهم لم يختبروا في أي نشاط سياسي أو نقابي أو حقوقي وإعلامي فكانت وظيفتهم الأولى في مواقع الدولة في وقت أزمة سياسية مستفحلة إما رئيس للحكومة أو رئيس دولة، وبالتالي فلا يجب أن نتوقع أفضل النتائج ما لم نحسن الاختيار. وأرى أن مسؤولية هذه الاختيارات هي مسؤولية جماعية لأنه كان من المفترض ألا نعطي ولاءنا وأصواتنا إلا لمن جربناهم وليس لمن كنا نتوقع منهم خيرا، دون المرور بأي تجربة حزبية، إذ أن الحملة على أشدها ضد الأحزاب مع إرادة قوية لتدميرها والحال أنه لا توجد ديمقراطية في العالم دون أحزاب أو برلمان أو صحافة حرة أو مجتمع مدني وهي المدارس والبوتقة التي تتشكل فيها قيادات المستقبل.

*حسب رأيك أين تقع حدود ومسؤولية البرلمان وراشد الغنوشي في كل هذا؟

للأسف أُريد للبرلمان أن يُحمَّل الفشل ولكن الحمد الله اليوم هناك أصوات من الدستوري الحر تعترف صورة وصوتا أنها تعمّدت إفشال البرلمان وتشويه صورته أمام الرأي العام لتبرير ذبحه وقد انطلقت عملية التشويه منذ الجلسة الأولى وشارك فيها عدد محدود جدا من المتعهدين، حيث كان الترذيل هو الخطة العامة. وقد كان بعض الإعلام الخليجي ينقل التهريج على الهواء لمزيد من التشويه وتضخيمه أمام العالم في محاولة لإحراج البرلمان وإنهاء مهامه باعتباره السلطة الأصلية بل هو أساس السلطة ومفتاحها لذلك تحركت ماكيناتهم الإعلامية للإطاحة به في مناسبات عدة بيد أنهم خابوا في ذلك. فالدراسة العلمية لأداء المجلس أثبتت أن برلمان 2020 و2021 لم يكن أدنى أداء من البرلمان السابق كما وكيفا، ولكن الحكم بالإعدام المسبق ليس على البرلمان فقط وإنما على النظام السياسي جملة الذي أفرزته الثورة استوجب الإمعان في ترذيله من قبل الثورة المضادة بقيادة أنظمة في الخليج ووكلائها في البلاد.

*ولكن هناك من يؤكد أن الحل السياسي يمر بالضرورة باستقالتك من المجلس؟

ماذا ستقدم استقالتي؟ وإن كان الحل في استقالتي فإني لن أتأخر في الإعلان عنها وسأنسحب من رئاسة المجلس، فالمنصب زائل وأنا لم أولد رئيس برلمان ولكن لماذا يريدون من رئيس البرلمان التراجع دون المواقع السيادية الأخرى؟ فابسط وعي ديمقراطي يقوم على رفض هذا النموذج الإجرائي الذي ينتمي إلى عالم الاستبداد، وقد باتت كل الوقائع تؤكد أننا إزاء تجربة سوداء فقانون 117 لا يمكن اعتباره تعبيرة عن طموحات الديمقراطيين بل هو الحد الأقصى من الديكتاتورية فلو وضعت هذه الصلاحيات بيد النبي لخشي الناس، حتى النبي نفسه كان يستشير أصحابه وكثيرا ما تنازل عن رأيه لصالح رأي أحد أصحابه عليه السلام. ولذلك نحن أمام خيارين إما أن يتراجع الرئيس عن استثناءاته أو تستمر الأزمة وتحسمها موازين القوة أي الانتخابات المبكرة، أنا شديد القناعة أن الشعب التونسي لن يتراجع عن مكاسبه الديمقراطية وعلى الجميع أن يدركوا هذا.

تطالبون سعيد بخطوة إلى الوراء والحال أن شرعية الشارع هي التي تمدُّه بالقوة؟

رغم حالة الصدمة التي فرضتها الإجراءات الاستثنائية إلا أن الشعب سرعان ما التقط أنفاسه وخرج للشارع مجددا في مناسبتين مختلفتين أولهما يوم 18سبتمبر وثانيها يوم 10/10 بعد أن خرج التونسيون للتعبير عن رفضهم للانقلاب وللتأكيد على أن للثورة أنصارها أيضا. فهذا الجزء الكبير من شارع السياسي لم يقبل إجراءات 25 جويلية رغم تأثير الإعلام والثورة المضادة وتركيزهما المستمر على أن أنصار الرئيس يشكلون الأغلبية والحال أن الساحة منقسمة على نفسها وتحتاج إلى خطاب يوحد التونسيين وينمي رصيد الوحدة الوطنية بعد أن أصبحنا نسمع خطابا مقسما يصف جزءا كبيرا من الشعب والمعارضين بأوصاف حيوانية كجرذان وأفاع وخونة وأعداء إلى أن وصلنا إلى خطاب التحريض والتطهير وهي دعوة للتحارب الأهلي وقد عمد أنصار قيس سعيد بجهة القيروان الى ممارسة التطهير لذلك نقول ان تونس محتاجة إلى كل أبنائها وبناتها. فالعبقرية إنما هي إتقان فن التعايش على أساس المواطنة والدستور، فلا أحد يقصي الآخر، فالديمقراطية لا تستقر في بلد ما لم يتبادل أبناء الشعب الاعتراف حيث يعترف كل منا بالآخر المختلف معه سياسيا وإيديولوجيا وفرض فن التعايش السلمي بين الجميع ولكن للأسف اليوم فإن خطاب الرئيس هو خطاب إقصائي يستبيح فيه خصومه ويحرض عليهم في خطاب حرب، لذا رجاؤنا إليك الهدوء، الهدوء، سيد الرئيس، عملا بالمثل الشعبي “الهدى يا بن عروس” فالتونسيون عندهم ما يكفيهم من مشكلات مادية واجتماعية، فواجبك طمأنة الشعب خاصة معارضيك. أنك ستعاملهم باعتبارهم مواطنين وأنك رئيس لهم جميعا، وأن إرادة الشعب متعددة ولا أحد قادر على تمثله الكامل معه، على نحو من عقائد وحدة الوجود. إن إرادة الشعب تقوم أساسا على العدل والحرية والتشارك وليس بتعطيل الدستور والبرلمان والقوانين

إن التجارب الشعبوية كثيرا ما قادت العالم إلى كوارث حيث كثيرا ما توهم الناس بأنها تملك الحلول المطلقة لكل معضلة ولكنه مجرد إيهام بالحل.

*ماهو ردكم على من يصف العشرية الماضية بالشعرية السوداء وأن 25 جويلية بداية جديدة لجمهورية جديدة؟

ما قبل 25 لم يكن جنة على وجه الأرض وكذلك ما بعد هذا التاريخ ليس جنة أيضا وهنا وجب الحذر من التقليل من شان العشر سنوات الماضية حيث لم تكن سنوات الظلم والجحيم بل كان التونسيون ينعمون بدرجة عالية من الحريات. أما في المستوى الاقتصادي فقد بذلت حكومات الثورة ما بوسعها للرفع من المستوى الاقتصادي والاجتماعي للجهات الداخلية على مدار العقد الماضي. كما أنه خلال السنوات العشر الماضية انطلق بناء أركان الدولة الوطنية الديمقراطية من خلال الدستور ومؤسسات الرقابة والبرلمان بحيث دخلت تونس إلى نادي البلدان الديمقراطية. إن 10 سنوات في تاريخ الثورات والشعوب ليس بالمدة الزمنية الكبرى وعلى التونسيين ألا يشعروا بالإحباط أو أن عشرية من أعمارهم ذهبت هدرا. فقد استطاعت العشرية الماضية أن ترسخ في عقول التونسيين مفهوم دولة القانون والحريات حتى أن بعضهم يسعى أحيانا للمزايدة بالحديث على انه رغم وصف أحداث 25جويلية بكونها انقلابا إلا أن المتظاهرين يسمح لهم بالعودة إلى منازلهم دون إيقافات أو المس بهم وهنا أقول أن هذا الأمر ليس منة من احد بل هي ثمرة من ثمار الثورة كما أن التونسيين ذاقوا طعم الحرية وبالتالي فانه لا احد قادر على إعادتنا إلى مربع بن علي. وواضح أن مؤسسات الدولة قد قطعت شوطا مهما على صعيد الحياد واستقلال القرار والالتزام بدولة القانون وهو ما يقف سدا منيعا أمام رغبات ومخططات الثورة المضادة في الارتداد إلى الحكم الفردي وضرب منجزات الثورة مثل حياد الإدارة والشرطة والجيش والإعلام والقضاء الذي يتعرض هذه الأيام لحملة شعواء لاحتوائه واستتباعه من طرف السلطة التنفيذية، ما يوجب الوقوف معه في ملحمة ترسيخ استقلاله وحياده ونظافته.
*هناك حديث وتقاطعات أن الرئيس قد يذهب منفردا لتغيير نظام الانتخاب والنظام السياسي في إطار استفتاء شعبي كيف تنظر إلى هذا الموضوع؟

كما أكدت سابقا النظام الانتخابي واحد من المشاكل القائمة الآن، بل انه أيضا سبب من أسباب الأزمة الاقتصادية نفسها، حيث انه لم يفرز حزب أغلبية، بل افرز أحزابا متعددة ومتشاكسة فلم تقدر إذ حكمت على القيام بالإصلاحات الضرورية التي لا مناص منها للانخراط بالبلاد في مشروع تنموي ضخم سواء بالتعاون والاشتراك مع المنظمات الاجتماعية او تتحمل مسؤولية الإقدام على ذلك. لقد ترددت الحكومات لضعفها وخوفها في اتخاذ إجراءات إصلاحية كبرى في البلاد مدخلا للازمة الاقتصادية وهي ليست بأزمة محلية على اعتبار ان العالم يشتكى تراجع اقتصادياته كنتيجة مباشرة لوباء كورونا الذي اجتاح كل الدول وعبث بها مما تسبب في انهيار وانكماش بلغ بين5و7% حتى في الدول الأوروبية. ولكن في تونس فبالإضافة إلى الأزمة الصحية التي أثرت على الوضع الاقتصادي باعتبارها مازالت تمر بمرحلة انتقالية كنتيجة لغياب الاستقرار السياسي ومع غياب هذا الاستقرار فانه لا يمكن اعتماد اي خطة عامة، فالحكومات في بلادنا أصبحت تسقط حتى قبل ان تستكمل ميزانياتها التكميلية بحيث تدخل تونس حالة من الفراغ وقد عشنا لأكثر من شهرين دون حكومة وهذا يعتبر قمة اللااستقرار والعجز عن الفاعلية الاقتصادية.

*ولكن النهضة مسؤولة عن هذا التخبط الانتخابي؟

لا، القانون الانتخابي لم تأت به النهضة بل جاءت به هيئة بن عاشور حيث كانت أهدافه الأساسية منع أي حزب من التغول حتى ولو بمنطق ديمقراطي فجزء من المشكل السياسي تشتت البرلمان وغياب تيار نيابي تحت قبة بباردو، بما صعب عمل المجلس. ومن المفترض الآن أن يتغير هذا القانون الانتخابي وقد حصل إجماع وطني على ضرورة تبديل القانون الانتخابي .

*في هذا السياق كيف تنظر إلى احتمال تغيير القانون الانتخابي في ظل إجراءات استثنائية؟

نحن لا نرى مانعا في تغيير القانون الانتخابي ولكن ماهي آليات هذا التغيير، بمعنى هل سيتغير بإرادة فردية عبر مرسوم رئاسي أو في إطار الدستور. وباعتبار أننا متمسكون بالدستور فان هذا القانون مطالب بالمرور عبر البرلمان وبالأدوات المعروفة فيه ونحن هنا لم ولن نعترض على هذا التغيير شرط ألا يكون بإرادة فردية أو بالمرسوم 117. وقد تحدثت سابقا مع الرئيس قيس سعيد في أكثر من مناسبة للإمضاء على القانون الانتخابي الذي عُرض سابقا على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بيد انه لم يفعل في ظل تفكيره العميق في مشروعه السياسي الذي تبين انه لا يتماشى مع الدستور والقانون الانتخابي الراهن.

*يعنى في كل هذه المشاغل كيف ترون الحل؟

كما أشرت منذ قليل إن الحلول تصاغ بالحكمة وبالحوار ولا شيء غير الحوار الجامع سبيلا ولا مكان فيه للإقصاء. فإذا ما نظرنا في الواقع لأدركنا تلازم مسارات ثلاثة متوازية ومتزاحمة أحيانا وهي: – المسار الاقتصادي والمالي – المسار الديمقراطي – والمسار الثوري. ولكل مسار تشخيص، فالمسار الأول يقوم على إيجاد الحلول التي لن تأتي ونحن متفرقون، فالمطلوب إصلاحات ودعم دولي وهذا لن يتحقق إلا بالحوار والنأي بتونس عن التجاذبات “القبلية” الجديدة.

*ماذا عن المسار الديمقراطي؟

يشكل هذا المسار أهم المكتسبات التي وقف بالأمس الكونغرس محييا لها ويشجب اليوم خطر زوالها والتي نعمنا بها بعد عقود من الاستبداد. فالمواطنة والمواطن اليوم يطالبون بحماية المؤسسات والهيئات الديمقراطية وقد تم التأكيد انه لا عودة للوراء ولا تفريط فيها لذا وجب علينا الحوار لحمايتها وتوفير فرص تطويرها لتحسين أدائها وليس باستعمال معاول الهدم بخلفيات شعبوية سهلة. أما المسار الثوري والذي أصبح شق مساند لتدرجه عبر مؤسسات خيمة الدستور واعتماد الصندوق وشق يعتبر أن الثورة تم اختطافها ويجب تصحيح مسارها بالانقلاب على الدستور واللجوء إلى الشارع أي الفوضى “الغي

ما الحل؟

الحل المقترح لتجاوز انسداد الأفق هو أن يلتزم الريس بالدستور وآلياته التي أقسم على المحافظة عليها وأن يؤجل برنامجه ونظرته للحكم والدولة للانتخابات القادمة فيجعل منها برنامجا لإعادة انتخابه على أساسها بعد أن يوضح للمواطنين مغزى تصوره للسلطة والمواطنة ونموذج الدولة التي يرنو إليها. فإن وافقه الصندوق فله ذلك. أما أن ينقلب على المنظومة من داخلها فلا يصح وهذا تمش لا هو مشروع ولا شرعي.

*نعود للحديث عن أزمة النهضة ومستقبلها في ظل الاستقالات بل واتهامك بالدكتاتورية؟

الدكتاتوريون لا يدافعون عن الديمقراطية ولا يؤسسون لفعل الحريات وأنا لست بموقع المتهم حتى أدافع عن تجربتي السياسية التي تمتد لأكثر من 50 عاما. ولا عجب أننا في الحركة كأبناء النهضة كنا في طليعة من اعترض على الانقلاب ودعا عبر الحزب للنضال من أجل العودة إلى الديمقراطية واستئناف مسار الثورة ولم نحرص على تصدر المشهد وإنما قلنا المهم أن تتصدر المشهد شعارات الديمقراطية. وفي حركة النهضة لا نريد ان نناضل بالنيابة عن الشعب بل نريد أن نناضل معهم جنبا إلى جنب ومع كل التيارات الديمقراطية وتلك التي تؤمن بأن السلطة لا تكون إلا للشعب وان الدستور ينبغي احترامه. فملفنا الديمقراطي والنضالي من أجل الحرية ومن أجل الإسلام الديمقراطي هو ملف مشرف وليس فينا ما يظن بأنه ازدواج في المواقف فهذا ظاهرنا وهذا باطننا من أجل تونس لكل التونسيين. وأنا ادعوا أبناء الحركة للاعتزاز بالانتماء لهذا الصرح الأكثر عراقة وتنظيما والأكثر تماسكا فلا تقفوا عند محاولات التشكيك بأن النهضة تحتضر وأن الحركة بصدد تشييع جثمانها فتلك أمانيهم. نحن وجدنا من أجل خدمة الوطن والناس ومن أجل بناء مشروع تونسي خالص قوامه نهضة علمية وفكرية وإنتاجية ووحدة وطنية حقيقية.

*ماذا عن المؤتمر؟

نحن في الطريق إلى مؤتمرنا من أجل تجديد وضخ دماء جديدة في هذا الجسم وتقييم أدائه والاستعداد لتطوير هذا المشروع فالمطلوب من أبناء الحركة أن يكونوا حاضرين في هذه اللحظة التاريخية من أجل استعادة الديمقراطية كما أدعو كل التونسيات والتونسيين للمحافظة على وحدتهم وتماسكهم حتى وان اختلفنا في الأهداف.

أجرى الحوار: خليل الحناشي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *