دعا الى تعزيز التبادل التجاري مع ليبيا والجزائر .. هل يمهد محافظ البنك المركزي لتغيير منوال التنمية؟ .. بقلم جنات بن عبد الله

عبر محافظ البنك المركزي في اللقاء الذي جمعه يوم الاثنين 10 أوت 2020 برئيس مجلس نواب الشعب بمقر المجلس عن حرصه على تعزيز سبل الشراكة والتعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري مع ليبيا والجزائر مشددا على أهمية السوق الليبية، وذلك حسب البلاغ الصادر عن مجلس نواب الشعب.

وقد أثار تركيز محافظ البنك المركزي، الممثل للسلطة النقدية في البلاد، على الشراكة والتعاون مع ليبيا والجزائر من زاوية التبادل التجاري تساؤلات عديدة حيث اعتبرتها بعض الأطراف تدخلا في صلاحيات ومشمولات السلطة التنفيذية وتحديدا وزارة التجارة.

ولئن يعتبر مجال المبادلات التجارية والشراكة والتعاون الاقتصادي من مشمولات البنك المركزي استنادا للفصل 7 من القانون عدد 35 لسنة 2016 مؤرخ في 25 أفريل 2016 المتعلق بضبط النظام الاساسي للبنك المركزي التونسي، في باب أهداف البنك، الذي ينص على: “يساهم البنك في الحفاظ على الاستقرار المالي بما يدعم تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية للدولة بما في ذلك في مجالي النمو والتشغيل ويعمل من أجل تنسيق أمثل بين السياسة النقدية والسياسة الاقتصادية للدولة” ، فان السياق الذي جاء فيه تدخل محافظ البنك المركزي يبعث على التساؤل بخصوص التوقيت وطبيعة المناسبة وسياق هذا اللقاء الذي جاء في اطار تقديم محافظ البنك المركزي التقرير السنوي لسنة 2019 للبنك المركزي لرئيس مجلس نواب الشعب بما يفترض التعرض الى السياسة النقدية وتحديات تمويل ميزانية الدولة في ظرف تستعد فيه السلطة التشريعية النظر في مشروع قانون مالية تكميلي.

وما يعمق التساؤل أكثر حول أسباب تركيز محافظ البنك المركزي على السوق الليبية غياب مؤشرات جديدة في باب التجارة الخارجية تستوجب التركيز على هذه السوق خاصة وأن النشرية الأخيرة للمعهد الوطني للإحصاء المتعلقة بالتجارة الخارجية لشهر جويلية 2020 لم تسجل تغيرا ملحوظا في مبادلاتنا التجارية لا مع ليبيا ولا مع الجزائر مقارنة مع السوق الأوروبية حيث عرفت هذه المبادلات نفس الاتجاه التنازلي لتسجل صادراتنا نحو ليبيا تراجعا ب 16.5 بالمائة خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية، مقابل تراجع ب 29.6 بالمائة مع السوق الفرنسية وتراجع ب 27.4 بالمائة مع السوق الالمانية.

وفي انتظار توضيح من البنك المركزي التونسي بخصوص هذا التحول المفاجئ نحو السوقين الليبية والجزائرية في غياب معطيات جديدة تستوجب هذا الاهتمام، وفي ظل تجاهل وزارة التجارة لأصوات الفلاحين لفتح الحدود أمام تصدير المنتوجات الفلاحية نحو ليبيا والجزائر، يبدو أن محافظ البنك المركزي يبحث اليوم عن مخرج لمصارحة الشعب التونسي بحقيقة العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي التي قامت على المغالطة منذ سبعينات القرن الماضي حيث تم التسويق لصادرات الشركات غير المقيمة والخاضعة لنظام التصدير الكلي على أنها صادرات تونسية ومداخيلها تعود الى تونس وتوجه لتعبئة مخزوننا من العملة الصعبة في حين أن الاتحاد الأوروبي وبناء على النسخة السادسة لميزان الدفوعات لصندوق النقد الدولي والتي اعتمدها منذ سنة 2010 لا يعتبر هذه الصادرات كواردات يسجلها في ميزانه التجاري ولكن كخدمات صناعية تغطي نفقات الأجور والنفقات الثابتة للشركات الأوروبية المنتصبة في تونس.

وقد كان من المنتظر أن يعلن البنك المركزي التونسي اعتماده لهذه النسخة خلال هذه السنة بعد تأخره بعشر سنوات، تأخر لا نجد له مبررا على الأقل من الناحية التقنية والسيادية، حتى يقف الشعب التونسي على حقيقة الشراكة التي تجمعنا مع الاتحاد الأوروبي التي قامت على المغالطة التي ترتقي الى مستوى تدليس حجم عجز الميزان التجاري.

هذا العجز بلغ خلال الاشهر السبعة الأولى من السنة الجارية .213 مليار دينار في حين تصر السلطات في تونس على الإعلان عن عجز في حدود 7.5 مليار دينار باعتبارها تدمج المبادلات التجارية للشركات غير المقيمة الخاضعة لنظام التصدير الكلي وتنشط في اطار المناولة مع المبادلات التجارية للشركات المقيمة الخاضعة لنظام التصدير العام، ليبقى التساؤل قائما بخصوص الالية التي يعتمدها البنك المركزي لتغطية الواردات ومصادر تمويله لهذه الواردات في ظل نسبة تغطية الواردات بالصادرات في حدود 32 بالمائة مقابل نسبة تغطية معلنة تقوم على المغالطة في مستوى 74 بالمائة خلال الأشهر السبعة الأولى من هذه السنة.

هذه المغالطة تنعكس على مخزوننا من العملة الصعبة الذي بقيت تعبئته رهين القروض الخارجية عوض مصادرنا الذاتية المتمثلة في التصدير بدرجة أولى ثم مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج بدرجة ثانية.

واليوم كشفت جائحة كورونا حقيقة وضعنا الاقتصادي والتجاري الهش مع الاتحاد الأوروبي الذي يقوم على المناولة بما عمق الضغوط على البنك المركزي لتعبئة مخزوننا من العملة الصعبة والبحث عن مصادر حقيقية لا يمكن أن يوفرها الا نظام التصدير العام وليس الشركات غير المقيمة الخاضعة لنظام التصدير الكلي والناشطة في إطار المناولة.

وفي الوقت الذي تدعي فيه السلط التونسية أن مبادلاتنا التجارية مع الاتحاد الأوروبي متوازنة، بل تدعي ان ميزاننا التجاري مع فرنسا يسجل دائما فائضا فذلك بناء على الإصرار على المغاطة بدمج صادرات الشركات غير المقيمة الخاضعة لنظام التصدير الكلي وتعمل في إطار المناولة مع صادرات الشركات المقيمة الخاضعة للنظام العام في حين أن طريقة الاحتساب المعتمدة دوليا والتي تستند الى النسخة السادسة لميزان الدفوعات لصندوق النقد الدولي تفرز عجزا تجاريا مع الاتحاد الأوربي بلغ 45 بالمائة من العجز التجاري الإجمالي في سنة 2019 .

اننا لا زلنا في انتظار المعهد الوطني للإحصاء نشر المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، حسب النظام العام، وحسب نظام التصدير الكلي، وتجاوز الصيغة الحالية العامة البعيدة عن الدقة العلمية خاصة في ظل الفارق الشاسع بين عجز الميزان التجاري الحقيقي الذي بلغ في سنة 2019 مستوى 31 مليار دينار وما هو معلن عنه رسميا في حدود 19 مليار دينار، فارق يخفي حقيقة عجز ميزاننا التجاري مع الاتحاد الأوروبي باعتبار أن أغلب الشركات المنتصبة في تونس والتي تعمل في إطار المناولة هي أوروبية.

كما أننا لا زلنا في انتظار البنك المركزي مصارحة الشعب التونسي بحقيقة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي واعتماد النسخة السادسة في احتساب ميزان الدفوعات والاعتراف بفشل منوال التنمية الذي يقوم على استثمار أجنبي مباشر مرتبط بحاجيات السوق الخارجية وفي قطيعة مع أولوياتنا التنموية. والحديث عن مزايا الاستثمار الأجنبي المباشر من زاوية خلق مواطن الشغل تجاوزه الزمن بل كان وراء تدمير نسيجنا الاقتصادي والصناعي. ان المطروح اليوم هو إعادة النظر في دور الاستثمار الأجنبي المباشر القادر على نقل التكنولوجيا وتأمين نسبة اندماج عالية في الاقتصاد الوطني وتحويله الى مصدر حقيقي لتوفير العملة الصعبة وليس مصدرا لتهريب الأموال كما هو الشأن حاليا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *