حوار الفخفاخ …اصرار على اتباع مسار الفشل .. بقلم جنات بن عبد الله

لعل ما بقي راسخا لدى المواطن التونسي من حوار رئيس الحكومة الذي أدلى به مساء الاحد 14 جوان 2020 بإحدى القنوات التلفزية الخاصة، هذا الحزم والإصرار على إيقاف نزيف التداين الخارجي ومطالبة المؤسسات العمومية بالحوكمة والتوجه نحو خيار الاعتماد على الموارد الذاتية.

حوار الفخفاخ …اصرار على اتباع مسار الفشل .. بقلم جنات بن عبد الله
وربما نجح رئيس الحكومة في التلاعب بنفسية المواطن بإقناعه بأنه مصدر كل الانزلاقات التي تعاني منها المالية العمومية وحان الوقت اليوم ليقدم مزيدا من التضحيات من خلال التخفيض في الأجور وجرايات التقاعد كآلية من اليات الاعتماد على الموارد الذاتية في إجابة صريحة منه لكل من يدعو الى فتح تحقيق في المديونية الخارجية بإعلانه بأنها فاقت المعايير المسموح بها، الا أن اللهجة الاستفزازية التي اعتمدها في مخاطبة الاتحاد العام التونسي للشغل وشركائه في الحكم من الأحزاب قد رفعت الستار عن مصداقية هذا الطرح التقليدي الذي يقوم على الإقرار بالصعوبات في اطار ما يسمى باستراتيجية الصدمة.
لقد جاءت مقاربة الفخفاخ في هذا الباب مطابقة لوصفة صندوق النقد الدولي الداعية الى مزيد الضغط على كتلة الأجور في سياق يذكرنا بالسيناريو اليوناني والضغوط التي مارسها صندوق النقد الدولي لتسريح قروض مقابل التخفيض في أجور الموظفين وجرايات التقاعد وتجميد الترقيات والمنح.
الفخفاخ تبنى هذا الطرح في اطارمسرحي نجح في إخراجه حيث اعتمد المؤثرات الصوتية والحركية واللغوية لإيهام المتلقي بأنه لا مخرج من الأزمة الا هذا المسلك الوحيد والموجع، على وزن الإصلاحات الموجعة لصندوق النقد الدولي.
في هذا الحوار لم ينجح الفخفاخ في إخفاء غياب الرؤية الاستراتيجية لحكومته ليكشف مرة أخرى أن بوصلته هي رسائل النوايا التي تعهدت بها بلادنا تجاه صندوق النقد الدولي والتي أمضى احداها في سنة 2013 مع محافظ البنك المركزي السابق.
من هذا المنطلق لا نستغرب غياب الخلفية الاقتصادية والمرجعية العلمية لبرنامج الحكومة الذي من المفروض أن يضبط شروط تحفيز محركات النمو الثلاثة ممثلة في الاستهلاك والاستثمار والتصدير والتي بدونها لا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي ولا عن تنفيذ خطة اقتصادية تقوم على سياسات قطاعية تحدد مسؤولية القطاعات الثلاثة الفلاحة والصناعة والخدمات في المرحلة القادمة، تمكن من إيقاف نزيف الاقتراض والتعويل على الموارد الذاتية.
ان الحديث عن موارد ذاتية يفترض الحديث عن السياسات المحفزة لمصادر النمو لتستقيم مقاربة الحكومة التي تعمل، كما أشار الى ذلك الفخفاخ، على بناء أو التأسيس لجسور الثقة بينها وبين الأطراف الاجتماعية والشعب التونسي الذي استفزه في هذا الحوار دون تقديم أجوبة حقيقية لمشاغله وأولوياته المتمثلة في تحسين مقدرته الشرائية وخلق مواطن الشغل والضغط على التضخم وارتفاع الأسعار وتحسين الخدمات العمومية وحماية القطاعات الاقتصادية من التوريد ومن تدهور قدرتها التنافسية ومن الإفلاس.
لقد ضرب الفخفاخ في حواره كل هذه الأولويات بضربه لمحركات النمو الثلاثة. فالمقدرة الشرائية مرشحة لمزيد التدهور في ظل سياسة التقشف. كما أنه لا يمكن اليوم الحديث عن دور الاستثمار في ظل سياسة نقدية متشددة ودينار ضعيف وسوق مفتوحة على مصراعيها لمنتوجات وخدمات أجنبية ذات قدرة تنافسية عالية.
أما التصدير فقد اتضح أن هذه الحكومة مصرة على اعادة الروح لنظام المناولة في المجال الصناعي وتهميش القطاع الفلاحي وتجاهل القدرات الحقيقية لقطاع الخدمات الذي اختزلته في السياحة.
ان الحركات الاحتجاجية التي تشهدها عديد الجهات اليوم، والتي تطالب بالتشغيل والتنمية، هي تعبير صارخ لفشل المسار الذي انخرطت فيه الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وأيضا حكومة الفخفاخ، لنعبر عن تخوفنا من اتساع الهوة بين الشعب وحكام تونس الجدد المصرين على اتباع مسار الفشل والهروب نحو المجهول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *