حركة النهضة و سباق الرئاسة .. بين “التولّي” و “التولية” .. بقلم بحري العرفاوي

حركة النهضة معنية برئاسة الجمهورية تماما كما هي معنية برئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان.

ولكن بأي معنى هي معنية ؟ هل بمعنى “التولي” أم “التولية” ؟ أي هل إنها معنية بأن يتولى أحد قادتها رئاسة الجمهورية أم إنها معنية بالإسهام انتخابيا في “تولية” رئيس للجمهورية ؟

في تقدير المصلحة نحتاج حكمة وهدوءا لا عاطفة وحماسة وليس في الأمر علاقة بالشجاعة والنخوة والبطولة وشعارات الفروسية فلسنا بصدد مبارزة بين فارس(نا) وفارس(هم) بل نحن بصدد ترجيح وترشيح من أجل مصلحة البلاد والعباد.

1: حظوظ “التولي” و جدواه

ما هي حظوظ “التولي”؟ يمكن لمرشح النهضة أن يبلغ الدور الثاني مع مرشح آخر وفي هذه الحالة لا شك بأن كل الأطراف بما فيهم النداء وتحيا تونس وحتى التيار والجبهة سيتحالفون لنصرة منافسه وهده ليست فرضية بل حقيقة وحتمية.

وهنا نتساءل هل الهدف من ترشيح أحد رموز النهضة هو مجرد تحقيق مشاركة ومعرفة مدى شعبية مرشحها؟ هذه وجهة نظر محترمة ومعقولة، ولكننا سنتساءل أيضا هل من مصلحة الحركة أن تنافس لتُهزَم؟

سؤال آخر نقيمه على فرضية فوز مرشح النهضة لرئاسة الجمهورية: هل يمكن أن يكون عامل استقرار وهل سيحظى بمقبولية النخب والإعلام والأطراف المتطرفة إيديولوجيا وهل سنحتاج إلى معارك ضد الخصوم دفاعا عن الرئيس؟

الإسلاميون هم الأكثر قبولا للمخالفين وهم الأحرص على تحقيق التعايش وهم الأميل إلى التنازل من أجل المصلحة الكبرى للبلاد وهم يعلمون بأن الاستقرار إنما هو في صالحهم وأن الفوضى وتخدم خصومهم ولا تخدمهم.

سيسأل أناسٌ: وهل سنظل نتنازل عن حقوقنا خوفا من الفوضى؟ نعم، إن التنازل لمنع الفوضى هو جوهر العمل الثوري وهو معنى المسؤولية وهو فرصة لتأكيد الوطنية وتكذيب ادعاءات الخصوم بأن النهضة مسكونة بهاجس الحكم والاستفراد بالسلطة.

2:حكمة “التولية” و ضماناتها

سيكون أيسر على حركة النهضة العمل مع بعض الأحزاب الفاعلة على “تولية” شخصية توافقية رئاسة الجمهورية بإعلانها شخصية “مشتركة” مرشحة لرئاسة الدولة وتُخاض حملة انتخابية مشتركة لتصعيدها من الدور الأول وبنسبة مريحة يكون لها أثر معنوي في تأكيد جدية الفوز وجدارة الفائز وجدوى الرئاسة.

هذه الشخصية “المشتركة” يسهل الاهتداء إليها بتحديد أهم ملامحها وهو ألا تكون شخصية مؤدلجة وألا تكون معادية لأشواق الثورة وألا تكون متورطة بأي شكل من الأشكال في جرائم أو فساد أو عمالة وخيانة وأن تكون شخصية مؤمنة بالديمقراطية حريصة على السيادة الوطنية متحررة من حب السلطة ومن النوازع الجهوية مشهودا لها بخدمة البلاد والعباد.

مساهمة النهضة في “تولية” شخصية “مشتركة” رئاسة الجمهورية انتخابيا يُعفيها من صداع الرأس ويعفي البلاد من التوتر ومن عبث الفوضويين ممن يستفيدون من أجواء الحرية وعنوان الثورة لممارسة النكاية وإشاعة النكد  وابتداع الكيد.

مهام رئيس الجمهورية كما حددها الدستور في نظام غير رئاسي تظل مهمة في رعاية الأمن والسيادة وفي رسم علاقات البلاد بالعالم الخارجي وتكييف الدبلوماسية بما يجعلها في خدمة صورة البلاد واقتصادها وأمنها الخارجي تحديدا

3: الوزن السياسي ومواقع التأثير

لم تعد رئاسة الجمهورية مركزا للقرار السياسي ولا معبرة عن الوزن السياسي لأي حزب، فقد تحول مركز القوة السياسية إلى البرلمان حيث تصاغ القوانين ويُصادق على المشاريع وحيث يكون للكتل البرلمانية تأثيرها وقدرتها على رسم السياسات وعلى إبطال مشاريع القوانين غير المجدية شعبيا ووطنيا.

حركة النهضة تواجه استحقاقا انتخابيا مصيريا وهو الاستحقاق البرلماني عليها أن تبذل جهدها وأن تطور طرائق حملتها الانتخابية وأن “ترمم” ما شاه من صورتها وأن تستجمع طاقاتها وترقى على خلافاتها ـ وقتيا ـ لتحقيق نتائج مهمة في البرلمان تؤهلها لتكليف رئيس الجمهورية لها بتشكيل الحكومة مع شركائها أو لتكون كتلة يحتاجها من قد يفوز في الانتخابات البرلمانية ويُكلف بتشكيل الحكومة فلا يستغني عن مشاركتها له.

خارج موقع الرئاسة وكراسي الحكومة وقبة البرلمان ثمة مجال أرحب للحركة والفعل السياسي وقد أبدعت فيه حركة النهضة دون سواها و هو ما اصطلح عليه ب”الدبلوماسية الشعبية” وللحركة مجالها الإقليمي والدولي للتحرك والتأثير وخدمة البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *