تشتت تركيبة البرلمان ….. هل يضع النهضة في مأزق لتشكيل الحكومة ؟

عزيزة بن عمر

تمر تونس بمرحلة جديدة كلياً، بعد أن شهدت الفترة الأخيرة مفاجآت في الجانب السياسي للبلاد، مع تولي رئيس مستقل لا ينتمي إلى أي حزبٍ الحكم، في وقتٍ لم يحصد أي طرف أغلبية مطلقة بالانتخابات التشريعية، للحصول على أكبر عدد من مقاعد البرلمان.

و لن تكون التحالفات بين الأحزاب التونسية سهلة، و هو ما يضع البلاد أمام سيناريوهات غامضة في الفترة القادمة، و من شأن هذه النتائج أن تزيد من تشتت المشهد السياسي بالبلاد، و تعمّق الصعوبات نحو التوافق على تشكيلة الحكومة المقبلة.

و مع تصدُّر حركة النهضة الأحزاب الفائزة بـ52 مقعداً، يليها حزب “قلب تونس” بـ38 مقعداً، بدأت الحركة التي خسر مرشحها بالانتخابات الرئاسية في مرحلتها الأولى، بالتحرك نحو اختيار رئيس للحكومة التي يجري التشاور لتشكيلها، لكن هذه المرة ترغب “النهضة” في أن يكون من أحد قياداتها.

أرقام متقاربة:

في الـ10 من أكتوبر 2019، أعلنت هيئة الانتخابات بتونس النتائج الرسمية النهائية للانتخابات التشريعية التي جرت في 6 أكتوبر، وتجاوزت نسبة المشاركة فيها 41%.

وجاء حزب “حركة النهضة” بزعامة راشد الغنوشي في الصدارة بـ52 مقعداً، يتبعه حزب “قلب تونس” الذي يتزعمه المرشح السابق في الانتخابات الرئاسية، نبيل القروي، بـ38 مقعداً.

و أظهرت النتائج حصول حزب التيار الديمقراطي على 22 مقعداً، يليه ائتلاف الكرامة بـ21 مقعداً، فالحزب الحر الدستوري (17)، تليه حركة الشعب (16)، ثم حزب “تحيا تونس” الذي يتزعمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد (14).

وكانت حركة النهضة أعلنت وضع شروط تُحدد ملامح تحالفاتها المقبلة، في حين بادرت قوى سياسية أخرى -منها حزب “قلب تونس”- إلى تأكيد أنها ستختار المعارضة ولن تتحالف مع “النهضة”.

“النهضة” و رئيس الحكومة:

في الـ19 من أكتوبر 2019، أعلن رئيس مجلس شورى حركة “النهضة” بتونس، عبد الكريم الهاروني، أنهم “يتجهون و بقوة نحو تعيين شخصية من داخلها لترؤُّس الحكومة، باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، و المكلفة- حسب الدستور- تشكيل الحكومة”.

و قال إنه تم تشكيل لجنة برئاسة رئيس الحركة راشد الغنوشي، ستتولى إدارة المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة، مضيفاً أنهم “يأملون أن تكون في مستوى آمال الناخبين”.

و في 20 أكتوبر قال الهاروني إن الحركة بدأت حواراً داخلياً حول الشخصية الأقدر على تسيير دواليب الدولة، رغم أن قانونها الداخلي يخول رئيس الحركة، راشد الغنوشي، تولي المناصب العليا في البلاد، لافتاً إلى أن القرار الأخير ستتخذه مؤسسات الحركة.

و أكد أن الحركة ستترأس الحكومة القادمة وستشكل تركيبتها بالشراكة مع أحزاب ومنظمات انطلقت في مشاورات أولوية معها.

و أوضح الهاروني أن رئيس الحركة، راشد الغنوشي، أجرى اتصالات أولية مع أحزاب “التيار الديمقراطي” و”حركة الشعب” و”تحيا تونس”، و”ائتلاف الكرامة”، والاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد التونسي للفلاحة و الصيد البحري، ووصف هذه الاتصالات بـ”الإيجابية” باعتبارها فتحت الباب أمام مواصلة المشاورات بخصوص تشكيل الحكومة بصورة جدية وجيدة، مراعاة للمصلحة العليا البلاد، وفق تعبيره.

وقال إن مبدأ الشراكة في تشكيل الحكومة القادمة سيكون على أساس “برنامج يهدف إلى رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفساد، وكذلك حماية القدرة الشرائية للمواطنين، ودعم التشغيل والتنمية في الجهات وتعزيز مقومات الأمن”، وأكد أن الحكومة القادمة “لن تكون قائمة على المحاصصة الحزبية، وسنتحدث عن برنامج مشترك قبل توزيع الحقائب واختيار الوزراء”.

إقناع أنصار “النهضة”

غالباً ما يجد الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التشريعية نفسه أمام حتمية اختيار الشخصية التي يمكن أن تحصل على أكبر قدر ممكن من المقبولية لدى الشعب، وفق ما يقوله المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي .

و في حديثه “لمغرب نيوز” قال الجورشي إن قاعدة أي حزب أو حركة سياسية في تونس هم أكثر الأشخاص الذين يشكلون الرأي، لأنهم مَن أوصل تلك الأطراف إلى الحكم.

غياب التوافقات

و يؤكد الجورشي أن حركة النهضة في “موقف لا تُحسد عليه”، خصوصاً أنها تخشى من تعيين شخصية أخرى من الحركة لا يتم التوافق معه كما حدث مع أول رئيس للحكومة بعد الثورة، حمادي الجبالي، الذي استقال في 2013 بعد رفض “النهضة” و”المؤتمر من أجل الجمهورية” مبادرته المتمثلة بتشكيل حكومة تكنوقراط.

و أوضح أن نتائج الانتخابات التشريعية، التي أفضت إلى تشتت الأصوات، تجعل حركة النهضة “أمام عدم وجود توافقات”، مشيراً إلى أن ذلك قد يدفعها إلى المناورة بتشكيل حكومة قد لا تنال رضى في مجلس نواب الشعب”.

تونس

لكنه يرى أن مناورات “النهضة” قد تفضي إلى تشكيل توافق بينها وبين أحزاب صغيرة و مستقلين إلى جوار حزب “نداء تونس”.

كما يوضح الجورشي أن التجارب التي مرَّت بها تونس تؤكد أن الحكومة لا يمكن تشكيلها إلا “بحكومة ائتلافية يكون للمنظمات الكبرى -وأقصد الاتحاد العام التونسي للشغل و منظمة الأعراف- دور كبير في دعمها”.

و يشير إلى أن التجربة الديمقراطية التونسية أصبحت مصدر إلهام ومرجعاً في الوطن العربي، لكونها “ارتكزت أولاً وقبل كل شيء على التوافق بين الكتل الأكبر في البرلمان، والتي ستنال بالضرورة دعم ومساندة المنظمات وقوى المجتمع المدني، التي أثبتت -خصوصاً بعد الثورة- مدى ثقلها في صنع التوازنات وتأثيرها في الحياة السياسية بتونس”.

عدّة سيناريوهات

و أمام هذا المشهد الفسيفسائي بعد النتائج غير المتوقعة في الانتخابات، مع إصرار عدد من الأحزاب على عدم إنجاز تحالفات لتشكيل حكومة، فإن الباب مفتوح في تونس أمام عدة سيناريوهات.

ينص الدستور التونسي في فصله الـ89 بفقرته الثانية: “عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجَل 10 أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر، من أجل تكوين حكومة في أجَلٍ أقصاه شهر”.

وهو ما يعني أن رئيس الجمهورية المقبل قد يتجه إلى تكليف شخصية ثانية من خارج الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، في محاولة لإنجاز تحالفات مختلفة قد ينجح رئيس الحكومة المقترح في إنجازها.

وفي حالة فشل الشخصية الثانية في تشكيل الحكومة، والحصول على ثقة غالبية أعضاء مجلس نواب الشعب، تتجه البلاد حينها إلى إنجاز انتخابات ثانية، حيث ينص الفصل نفسه على أنه “إذا مرَّت 4 أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجَلٍ أدناه 45 يوماً وأقصاه 90 يوماً”.

و على خط موازٍ، تنتظر الحكومة الجديدة التي لم تتشكل بعد ظروفاً عصيبة في الثلاثية الأخيرة من عام صعب على كل الأصعدة. و لم تظهر ملامح تلك الحكومة بعد وسط حديث عن مفاوضات بين حركة النهضة و أحزاب قريبة من توجهاتها و أحزاب أخرى دعمت ترشيح الرئيس المنتخَب.
في المقابل، قدّمت الحكومة المنتهية ولايتها التي يرأسها يوسف الشاهد مشروعَ ميزانية الدولة إلى البرلمان ضمن المهلة القانونية المحددة في 15 أكتوبر الحالي.
و بانتظار تسلّم النواب الجدد مهماتهم التشريعية، شُكلت لجنة مؤقتة للمالية للنظر في مشروع ميزانية الدولة التي يجب المصادقة عليها قبل 10 ديسمبر 2019.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *