تخوفات من استفحال البطالة والفقر .. بقلم كمال بن يونس

هل تحتمل البلاد أزمة جديدة بين النقابات والحكومة؟

· عدد العاطلين سيتضاعف إذا طالت الأزمة في أوربا

بقلم كمال بن يونس

تعاقبت تصريحات ” التصعيد “الصادرة عن مسؤولين كبار في الدولة وفي الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمات رجال الأعمال والمجتمع المدني والبرلمان، بما أوحى باحتمال التأثير سلبا في المناخ الاجتماعي بعد المعركة مع كورونا .

Image preview

فهل يتعلق الأمر بمجرد ” تكتيك ” يمارسه كل طرف حتى يحسن شروط التفاوض مع الأطراف الأخرى ؟

أم تكون تصريحات ” التصعيد ” مقدمة لأزمة قد تفجرها “الإجراءات اللاشعبية” و” القرارات المؤلمة ” التي قد تتخذها الحكومة بسبب الصعوبات الاقتصادية التي قد تستفحل خلال الأسابيع والأشهر القادمة وتتسبب في تضخم نسب الفقر والبطالة وغلاء الأسعار ؟

وهل ستتحكم القيادات النقابية والعمالية والأوساط الحكومية في ” التجاذبات الاجتماعية ” أم يحصل العكس بسبب تضرر مئات آلاف “المهمشين” من الحجر الصحي وحضر الجولان ؟

بعد التفاؤل الذي ساد بعد توقيع اتفاق 14 أفريل بين المركزية النقابية العمالية واتحاد الصناعة والتجارة بإشراف وزير الشؤون الاجتماعية صدرت ” تحذيرات ” عن ممثلي اتحاد الشغل ومنظمات رجال الأعمال لا توحي بأن ” السلم الاجتماعية ” سوف تطول .

أجور مارس وأفريل ..وبعد ؟

استبق رئيس اتحاد الصناعة والتجارة سمير ماجول ورئيس كونفيديرالية المؤسسات المواطنة التونسية ( كونيكت ) طارق الشريف الجميع وشككا في قدرة رجال الأعمال على تسديد راتبي شهري مارس وأفريل ( وربما شهر ماي ) في صورة عدم استئناف المؤسسات للعمل وتوفر شروط اخرى من بينها استئناف قطاعات التصدير والخدمات والسياحة والنقل الجوي والبحري لأنشطتها ..

وقد رد نقابيون بقوة عليهما بينهم نور الدين الطبوبي امين عام اتحاد الشغل وسامي الطاهري الناطق الرسمي باسم الاتحاد ..

ثم تدخل رئيس الحكومة الياس الفخفاخ ووزير الشؤون الاجتماعية الحبيب الكشو وعقدا اجتماعات مع الطرفين ، وشارك رئيسا الدولة قيس سعيد والبرلمان راشد الغننوشي في المساعي وعقدا جلسات عديدة مع محافظ البنك المركزي والوزراء وممثلي الاطراف الاجتماعية..

لكن الخلاف تصاعد ..

وتبين أن المنحة الرمزية التي أسندتها أو وعدت بها الدولة العاطلين مؤقتا – اي 200 دينارا- لم ترض رجال الأعمال الذين وقعت مطالبتهم بتسديد بقية الراتب ، الذي يتجاوز بالنسبة للمهندسين وعددا من الموظفين الالفي دينارحسب تصريحات السيد طارق الشريف..

والتحدي الأكبر بالنسبة للسيد سمير ماجول هو أن ” ديون الشركات الخاصة وصعوباتها تتراكم منذ 10 أعوام وكثير منها مهدد بالافلاس والغلق ” ، أي احالة مزيد من العمال على البطالة ..

مواكبة غضب العمال

وجاء الرد “قويا ” من بيان المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل المنعقد عشية الاحتفال بعيد العمال وتضمن عديد ” الاشارات الحمراء” .

فقد استعمل البيان عبارات تصعيد من نوع ” يسجّل بغضب تدهور الأوضاع الاجتماعية لكلّ العاملين بالقطاع الخاص والمهن الحرّة والحرفيين والفاقدين لأيّ سند”..وتحدث عن ” ارتفاع غير مسبوق للأسعار”. وشكك في توفر” الإرادة السياسية للتصدّي للمحتكرين” وندد ب ” نقص الإمكانيات لمراقبة مسالك الإنتاج والخزن والتوزيع وبسبب العجز تجاه لوبيات تجّار الحروب والأزمات.”(؟؟)

وفي هذا السياق تفهم زيارات رئيس الحكومة الياس الفخفاخ ووزير التجارة محمد المسيليني إلى سوق الجملة في بير القصعة وغيرها من الاسواق وتصريحاتهم التي حاولت تطمين المستهلك وأعلنت عن “حجز أكثر من مليون طن من المواد المحتكرة ..”

لكن الشارع التونسي ظل يتساءل : أين السميد والفارينة والزيت المدعوم اذن ..؟

وهل نجحت الحكومة فعلا في مكافح شبكات التهريب والاحتكار و” الوسطاء ” و” السماسرة ” أم أن الاسعار والأرقام التي تعرض أمام كاميرا التلفزية والمسؤولين غير مطابقة للواقع؟

نصف أجر..ومؤسسات مغلقة ؟

في الأثناء اكتفت كثير من المؤسسات باسناد ” نصف راتب ” إلى عمالها المحالين على “البطالة الفنية” واقتطعت من اجازاتهم السنوية ..ثم برزت ” اشارات حمراء ” جديدة من بينها :

· أولا :تمديد مرحلة غلق الحدود برا وجوا وبحرا وغلق المؤسسات السياحية والشركات المرتبطة بها مباشرة غير مباشرة ..وهو معطى قد يتسبب في احالة مالا يقل عن نصف مليون تونسي وتونسية مباشرة وغير مباشرة على البطالة “الفنية ” والفقر..

· ثانيا :عودة الاف العمال المهاجرين بعد ان فقدوا مواطن رزقهم في ليبيا والخليج وافريقيا وتركيا ..الخ

· ثالثا : توقف ” تجارة الشنطة ” و” السياحة التجارية ” التي كانت تشغل أكثر من مائة الف تونسي وتونسية يتعاملون سنويا مع تركيا والصين والجزائر وليبيا والمغرب واروبا ..ويتعاملون بدورهم مع عشرات الاف الوسطاء والعمال في ” الأسواق الموازية ” المنتشرة في كل المدن منذ 30 عاما.

· احالة ملايين العمال في فرنسا وبقية البلدان الاوربية على البطالة ..وهو تطور قد يتسبب في عودة ما لايقل عن مائة الف مهاجر إلى تونس بعد ان فقد مورد رزقه ..

الورقة السياسية

واذ انفرجت الامور جزئيا بالنسبة لعدة قطاعات انتاج وتصدير سمح لها باستئناف العمل ، من بينها البناء والاسكان وتجارة الاستهلاك ، فإن القائمة التي أعلنت عنها الوزيرة لبنى الجريبي باسم الحكومة لم تشمل الاف المهنيين ولم تقدم اجابات لمصير عشرات الالاف من العاملين في محلات الحلاقة والمقاهي والملاهي وبعض المهن الحرة ..

كما كشف بلاغا النقابة العامة للاعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل والنقابة الوطنية للصحفيين انشغالا باستفحال مشاكل قطاع الإعلام عموما والمؤسسات المصادرة والصحافة المكتوبة ..ولوحت النقابتان بالتصعيد وبالاعتصام في ساحة القصبة والاضراب العام..(؟)

وفي قطاعات المناجم والنقل تطورت تحركات لفتح ملفات شبهات فساد مالي كلفت الدولة خسائر بالمليارات خلال الأعوام الماضية إلى بوادر “أزمة سياسية إعلامية ” بين بعض الاطراف السياسية والنقابية تهمش الحوار حول الملفات الاجتماعية الاقتصادية وتنحرف بها نحو معارك ” ايديولوجية ” هامشية ..

وفي كل الحالات ، ليس من مصلحة أحد دفع البلاد نحو أزمة جديدة بين النقابات العمالية والحكومة وبقية الاطراف الاجتماعية ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *