بمناسبة انطلاق مؤتمره السادس عشر وفي الذكرى 71 لتأسيسه : المسار التاريخي لاتحاد الأعراف من التأسيس إلى المؤتمر الحالي

“الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية”، هو منظمة الأعراف التونسيين في قطاعات الصناعة والتجارة والحرف منذ تأسيسه في 16 و17 جانفي 1947 إلى اليوم رغم التطورات التاريخية وخارطة التحالفات داخله المرتبطة بتطورات الحياة السياسية والاجتماعية في تاريخ تونس المعاصرة…

فما هي مختلف المراحل والسياقات التي عرفتها المنظمة طوال أكثر من سبع عقود؟

1- التأسيس ومرحلة الاستعمار الفرنسي:

استطاعت الحركة الوطنية التونسية بعث العديد من المؤسسات والمنظمات المهنية بعد تجذر الحس الوطني، فتم العمل مُضيّا على تأسيس العمل النقابي للأعراف التونسيين، حيث ساهم الوطنيون التونسيون في تأسيس “جامعة الصنايعية وصغار التجار بالقطر التونسي” في مارس 1945، وهي المنظمة التي كانت قريبة آنذاك من الشيوعيين التونسيين، إلا أنه وبدعم من الحزب الدستوري الجديد سارع كل من “محمد شمام” و “فرجاني بلحاج عمار” وآخرين في ماي 1946 بالخروج منها و تنظيم مؤتمر انبثق عنه “الاتحاد لنقابات الصنايعية وصغار التجار بالقطر التونسي” في 16 و 17 جانفي 1947 (وهو التاريخ الفعلي لتأسيس المنظمة)، و قد ترأس أول هيئة له “محمد شمام”، و تم عقد المؤتمر الثاني في أفريل 1948 وقد اتخذ خلاله تسمية “الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة”، وتم اختيار “محمد بن عبد القادر” رئيسا للاتحاد وتواصلت مُدة إشرافه إلى ما بعد الاستقلال وتحديدا إلى سنة 1960، أما من حيث المواقف السياسية فقد وقف الاتحاد إلى جانب الحبيب بورقيبة ضد الأمين العام للحزب صالح بن يوسف وتيار الأمانة العامة، وقد جُوزي الفرجاني بلحاج عمار على ذلك الاصطفاف، عبر تعيينه بعد الاستقلال وزيرا للاقتصاد في أول حكومة واستمر في منصبه من 15 أفريل 1956 إلى 29 جويلية 1957. وقد تمكن الاتحاد قبل الاستقلال من عقد أربع مؤتمرات:

المؤتمر الأول:(16-17 جانفي 1947) وترأس المنظمة محمد شمام.

+المؤتمر الثاني:(14-16 أفريل 1948) وترأس المنظمة محمد بن عبد القادر.

+المؤتمر الثالث: (17-19 سبتمبر 1951) وبقي محمد بن عبد القادر رئيسا. +المؤتمر الرابع (8-10 أفريل 1955) وبقي أيضا بن عبد القادر رئيسا.

2- المرحلة البورقيبية: الاتحاد تحت جبّة حزب الدستور

بعد الاستقلال حاول بورقيبة استمالة كل المنظمات المهنية و تقريبها من الحزب وهياكله وعلى رأسها اتحاد الصناعة والتجارة واستعمل بورقيبة ورقة أكبر الفاعلين في المنظمة و هو “الفرجاني بلحاج عمار” والذي أصبح بداية من سنة 1960 بفضل ذلك رئيسا لها، وهو الذي تم تعيينه في أكتوبر 1958 كعضو في أول مجلس إدارة للبنك المركزي التونسي (إلى حدود نوفمبر 1959)، والمعلوم أنه من أهم الفاعلين في الحزب الحر الدستوري الجديد (حيث كان من أعضاء ديوانه السياسي السادس في أواخر الثلاثينات، تحت رئاسة الدكتور الحبيب ثامر كما عُيّن عُضوا في الديوان السياسي مؤتمر سوسة المنعقد عام 1959وكل المؤتمرات اللاحقة)، وبالتالي فقد كان ولاء المنظمة لبورقيبة وسياسته ولاءا مطلقا وبقيت في ركاب السلطة وحزبها الدستوري خلال كل المرحلة البورقيبية، ورغم ذلك تم إبعاد بلحاج عمار سنة 1964 بسبب موقفه المناهض للسياسة الاقتصادية الاشتراكية التي كانت تُطبّقها الدولة آنذاك والتي اختارها مؤتمر الحزب ببنزرت، إلا أنه عاد على رأس الاتحاد بأمر من الرئيس الحبيب بورقيبة عام 1971 واستمر رئيسا حتى بعد انقلاب 7 نوفمبر، ولم يغادره إلا سنة 1988 حيث خلفه الهادي الجيلاني أثناء إحدى دورات المجلس الوطني للمنظمة، وخلال المرحلة البورقيبية انتبهت قيادة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وعلى رأسها الفرجاني بلحاج عمار إلى أهمية الإعلام ودوره فقد تم إصدار الصحف والمجلات التالية:

+ “تونس الاقتصادية” (وهي مجلة صدر عددها الأول في أكتوبر 1958

+”الدليل الاقتصادي التونسي” (وهو مجلة مختصة صدر عددها الأول سنة 1964).

+ “البيان”، وهي أسبوعية إخبارية جامعة صدر عددها الأول في 14 نوفمبر 1977 وهي لا تزال لسان حال الاتحاد).

+”الرسالة” (وهي نشرة شهرية غير منتظمة صدر عددها الأول في نوفمبر 1985 وقد توقفت عن الصدور سنة 1988).

وقد تم عقد مؤتمرات ست للمنظمة خلال الفترة البورقيبية، وهي: +المؤتمر الخامس(31 أكتوبر 1960).

+المؤتمر السادس(23-25 نوفمبر 1963).

+المؤتمر السابع(13-15 أفريل 1972 ).

+المؤتمر الثامن ( 12-14 مارس 1975.

+ المؤتمر التاسع (24-26 ماي 1980)

+المؤتمر العاشر(4-6 سبتمبر 1985)

3- مرحلة الرئيس المخلوع: تدجين كُلّي

بعد وصول الجنرال “بن علي” إلى السلطة تواصلت عمليا نفس سياسة العلاقة والتواصل بين النظام ومنظمة الأعراف، حيث كان ولاء المنظمة كاملا للحزب الحكم ورجال السلطة وبدون عقد مؤتمر تم نقل مقاليد المنظمة من “الفرجاني بلحاج عمار” إلى “الهادي الجيلاني” سنة 1988، وهو رجل أعمال معروف في قطاع النسيج، و تواصلت عمليا سيطرة رجال الحزب والنظام على أغلب القطاعات، ولم يتم عقد أول مؤتمر إلا سنة 1990 حيث تكرّست نفس الخيارات، وعمليا استطاع الجيلاني ( و الذي أصبح صهرا للطرابلسية قسرا لا اختيارا منه) تطوير هيكلة المنظمة وتوسيع القطاعات المنخرطة بها خاصة وأن العلاقة مع الشغالين سادها التوافق المفروض كما تم بناء دار عصرية للأعراف بحي الخضراء ولم تكن هناك أي ضغوطات داخلية على الجيلاني إلا في المؤتمر الأخير سنة 2006 وهو المؤتمر الذي طالب الجيلاني فيه الرئيس المخلوع بالانسحاب أمام الاحتجاجات على رئاسته للمنظمة وهو ما حدا بالأخير إلى القول “أن النظام هو من صنع تلك الرجّات اختيارا منه، الّا أنّ الثقة فيه لا زالت متواصلة….”، و قد تم في فترة الرئيس المخلوع عقد مؤتمرات أربع وهي:

+ المؤتمر الحادي عشر(29-31 سبتمبر 1990).

+المؤتمر الثاني عشر (29-30 نوفمبر 1995).

+المؤتمر الثالث عشر(23-25 نوفمبر 2001).

+المؤتمر الرابع عشر(21-22 نوفمبر 2006).

4- الاتحاد بعد ثورة 14 جانفي 2011: صراعات داخلية ونجاح في ترسيخ الاستقلالية

بعد الثورة تغيرت وتطورت الحيثيات والأمور منذ يوم 19 جانفي 2011 واختلطت الأوراق وحدث الصراع بين قيادات المنظمة حول من له الأولوية في ترأسها، إضافة إلى الأزمة المتواصلة باستمرار في الاتحاد الجهوي للأعراف بصفاقس (والتي لم يحسم فيها بصفة شبه نهائية سوى في 12 جانفي 2013) وبالعودة للحيثيات فان وداد بوشماوي الرئيسة الحالية تعتمد في رئاستها للمنظمة على وثيقة 2 ماي 2011 ( والتي تم تسجيلها بتاريخ 17 ماي 2011 بالقباضة المالية تحت عدد 28177- 11802187باعتبار محضر جلسة لاجتماع المكتب التنفيذي و الذي يخص استقالة السيد محمد بن سدرين وتعويضه بالسيدة وداد بوشماوي، فبعد استقالة الهادي الجيلاني بتاريخ 17 مارس 2011 وتعويضه مؤقتا بالسيد محمد بن سدرين، قرر المجلس الوطني (أي السلطة الشرعية الثانية للمنظمة والذي يضم أكثر من 270 عضوا) بعد المؤتمر الوطني بأكثر من 2500 نائب، وبتاريخ 19 مارس 2011 حل المكتب التنفيذي وتعويضه بهيئة إشراف مؤقتة يترأسها محمد بن سدرين إلى حين انعقاد المؤتمر الوطني والذي كان مُزمعا انعقاده من حيث الأصل في شهر جوان 2011، وتعلل البعض من خصوم بوشماوي بأن المكتب التنفيذي المنتخب في 22 نوفمبر 2006 أصبح لاغيا ومنحلا وفاقدا للشرعية… واكدوا يومها أن المكتب التنفيذي المنحل فقد شرعيته منذ 21 نوفمبر 2011 بعد انتهاء مدته الانتخابية والمحددة بخمس سنوات (من 2006 إلى 2011). وهو ما حدا بجزء من رجال المال والأعمال المنضوين تحت راية المنظمة المطالبة منذ مدة بالعودة إلى شرعية 19 مارس 2011 والإسراع بتنظيم انتخابات حرة وشفافة بعيدا على كل الحسابات، بل اتهموا وداد بوشماوي  يومها، بأن لها أجندات خاصة بها و أكدوا أن التأخيرات الغير مبررة التي اعتمدتها ووصفوها بأنها محاولة للانحراف بالمنظمة وربح الوقت لتغيير الخارطة الانتخابية من خلال استبعاد العديدين وتعويضهم بالموالين والأتباع لضمان الفوز برئاسة الاتحاد …، وما يمكن تأكيده ان المنظمة تخلصت من الارتباط باي حزب او بالتعليمات من طرف الحكومة والولاة بالنسبة للاتحادات الجهوية ….

5- الاتحاد بعد المؤتمر 15: استعادة الدور التاريخي

كان المؤتمر الخامس عشر في ديسمبر 2012 حدثا بارزا في تاريخ المنظمة تجسدت فيه حسب الأعراف ( أي مُنتسبي المنظمة) عملية نقد ذاتي أفرزت حوارا داخليا مكنت من مراجعة فصول من القانون الأساسي والقانون الداخلي وأفرز بعد عملية انتخابية وصفها الإعلام والمتابعون بالشفافة ، مكتبا تنفيذيا ممثلا للقطاعات والجهات وتولت رئاسة المنظمة السيد وداد بوشماوي وأهم ما أنجزته هي وضع الاتحاد خارج أتون التجاذبات السياسية وهو ما مكنها أن تكون فاعلا رئيسا ضمن الشخصيات التي رعت الحوار الوطني وهو ما مكن الاتحاد الى استعادة دوره التاريخي منذ تأسيسه أي لعب دوره الوطني بعيدا عن هيمنة الأحزاب السياسية أي وفق القيم والمبادئ التي تأسس من أجلها كرافعة اقتصادية مهمة وعنصر توافق وحوار وسند قوي يهتم ويرعى مشاغل منظوريه بل ويدافع عنهم ويشارك في تحقيق أهداف الثورة واستكمال مهامها….

6- المؤتمر 16 ومستقبل المنظمة

بغض النظر عن تفاصيل اشغال وترتيبات المؤتمر الحالي الذي انطقت أشغاله أمس الأربعاء 17 جانفي 2018، أو من سيكون رئيسا للمنظمة فان القراءة الأولية لمؤتمرات الاتحادات الجهوية، تخلصت المنظمة من الخطية الليبيرالية ومن الولاء للأشخاص وتمكنت كل الأطراف والتيارات من التواجد في المؤتمر الحالي مما سيعطي للمنظمة زما وتنوعا جديدين سيمكنانها من خدمة اقتصاد تونس ومن فتح الآفاق أمام المستثمرين التونسيين في الداخل والخارج مما يعني أن مستقبل المنظمة سيكون مفتوحا على آفاق واسعة لخدمة تونس كل تونس …

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *