بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات بالجزائر : ردود فعل متباينة بين التفاؤل و التخوف من قرارات بوتفليقة .. و المعارضة تدعو إلى مواصلة الاحتجاجات

منية العيادي

 

أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أمس الاثنين عدوله عن الترشح لولاية خامسة، و إرجاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 أفريل إلى أجل غير محدد .

قرارات بوتفليقة التي جاءت بعد حراك شعبي و مظاهرات غير مسبوقة في البلاد رفضا لبقائه في الحكم ، كان أبرزها سحب ترشحه لولاية خامسة، إلى جانب تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 18 أبريل المقبل، و التعهد بمؤتمر حوار جامع، و تعديل دستوري قبل تسليم مشعل الحكم.

و في السياق ذاته، استقالت حكومة أحمد أويحيى، و تم تكليف نور الدين بدوي -و هو أحد رجال ثقة بوتفليقة- بتشكيل حكومة جديدة لم تبدأ المشاورات بعد بشأنها و لا يعرف حتى الآن كيف ستكون، و هل ستفتح أمام المعارضة أم أنها ستضم شخصيات تكنوقراط فقط.

و تضمنت رسالة بوتفليقة إلى الشعب خطوطا عريضة لخارطة الطريق التي يتصورها النظام للخروج من الأزمة، و سعيا لامتصاص غضب الشارع الذي استقبل هذه القرارات بردود أفعال متباينة.

و اعتبر بوتفليقة أن “واجبه الأخير” تجاه الجزائريين يتمثل في “العمل على إرساء أسس جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد”.

 

** أبرز مراحل خارطة الطريق التي وعد بها بوتفليقة الجزائريين

 

بعد تعهده بعدم الترشح لولاية خامسة و تعيين نور الدين بدوي رئيسا للحكومة و رمطان لعمامرة نائبا له، قدم بوتفليقة تفاصيل الخطوات القادمة التي ستتخذها السلطة لتنفيس غضب الشارع، وتتمثل في:

– إنشاء ندوة وطنية مستقلة يقول بوتفليقة إنها “تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات التي ستشكل أسيسة النظام الجديد الذي سيتمخض عنه إطلاق مسار تحويل دولتنا الوطنية”.

والتزم الرئيس بأن تكون هذه الندوة “عادلة من حيث تمثيل المجتمع الجزائري بمختلف ما فيه من المشارب والمذاهب”.

وبحسب خارطة الطريق “ستتولى الندوة هذه تنظيم أعمالها بحرية تامة بقيادة هيئة رئيسة تعددية على رأسـها شخصية وطنية مستقلة تحظى بالقبول والخبرة، على أن تحرص هذه الندوة على الفراغ من عهدتها قبل نهاية عام 2019”.

– إعداد مشروع دستور جديد من طرف هذه الندوة، ويعرض على الاستفتاء الشعبي.

تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية من طرف هذه الندوة التي “ستتولى وبكل سيادة تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخاب الرئاسي”.

– إنشاء لجنة انتخابية مستقلة للإشراف على الانتخابات الرئاسية، وسيتم تشكيلها وتحديد آلياتها القانونية “بمقتضى نص تشريعي خاص سيستوحى من أنجع وأجود التجارب والممارسات المعتمدة على المستوى الدولي”.

– تشكيل حكومة “كفاءات وطنية” لتنظيم الانتخابات الرئاسية “في ظروف تكفل الحرية والنزاهة والشفافية” مع متابعة من طرف المجلس الدستوري الذي يشرف على المرافقة القانونية للمسار الانتخابي.

وفي نهاية رسالته قال “ختاما أتعهد، إن أمدني الله تبارك وتعالى بالبقاء والعون، أن أسلم مهام رئيس الجمهورية وصلاحياته للرئيس الجديد الذي سيختاره الشعب الجزائري بكل حرية”.

 

** ردود فعل متباينة

 

تباينت ردود الفعل السياسية في الداخل الجزائري حيال القرارات التي أصدرها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة .

و قال المحامي مصطفى بوشاشي أحد أبرز وجوه التحركات الاحتجاجية -معلقا على قرارات بوتفليقة- إن مطلب الجزائريين ليس التأجيل، و إنما كان بدء مرحلة انتقالية بحكومة توافق وطني بعد مشاورات واسعة.

و تابع في مقطع فيديو له على موقع فيسبوك “لا نريد أن يتم الالتفاف حول رغبة الشعب في الذهاب إلى انتخابات وديمقراطية حقيقية” رغم أن بوتفليقة تعهد بإنشاء لجنة مستقلة جديدة لمراقبة الإنتخابات، وحل الهيئة الحالية.

من جهته يرى جيلالي الناطق باسم حركة “مواطنة” المعارضة في تغريدة فور صدور القرارات أنه “لا يجب الثقة فيها، المؤامرة بدأت” داعيا إلى مواصلة الحراك من خلال مظاهرات الجمعة المقبلة.

و اعتبر علي بن فليس رئيس الوزراء الجزائري الأسبق و رئيس حزب طلائع الحريات أن الشعب الجزائري هو من أسقط فكرة العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، و ليس ذلك منة من أحد، على حد قوله.

و أضاف بن فليس أن الخطوات التي اتخذها الرئيس بوتفليقة بتأجيل الانتخابات هي “قرار غير دستوري”، و تهدف إلى تمديد بقائه في الحكم.

كما رفضت رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير و الرقي زبيدة عسول قرارات الرئيس الجزائري، و اعتبرتها مناورة من السلطة الحاكمة، مؤكدة أنها لا تستجيب للمطالب الشعبية.

و أضافت أن الشارع كان يطالب بتغيير النظام تغييرا جذريا، و الذهاب إلى مرحلة انتقالية شريطة ألا يشرف على هذه المرحلة النظام نفسه، مشيرة إلى أن ما ورد في رسالة بوتفليقة مناورة من السلطة للمحافظة على النظام و التحكم في رزنامة التغيير بالمرحلة المقبلة.

من جهته، قال الوزير السابق عبد العزيز رحابي إن قرارات بوتفليقة ستجر البلاد للمجهول مضيفا أن قرارات بوتفليقة تمثل خرقا للدستور.

و نشر المرشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة تغريدة على تويتر انتقد فيها موقف المعارضة التي طالبت بتأجيل الانتخابات و انسحبت من السباق، قائلا “رفض البعض حلولا دستورية في إطار شرعية منقوصة نتيجة الأنانية المفرطة و النظرة الضيقة، كيف يقبلون الآن بالشرعية الواقعية ؟”.

و رفض حزب “جيل جديد” قرارات بوتفليقة، داعيا إلى عدم وقف تعبئة الشارع، و ألا تستمر فترة رئاسة بوتفليقة حتى نهاية العام الجاري.

كما أكد البرلماني عن حزب جبهة العدالة و التنمية حسن عريبي أن النظام الجزائري قام بمحاولة يائسة، و هي الالتفاف على مطالب الشعب الذي خرج من أجل تغيير النظام تغييرا جذريا.

و أكد عريبي أن السلطة ذهبت لخيار التمديد، وهو خيار طرحته السلطة نفسها، مشيرا إلى أن السلطة ستعمل الآن من خلال دولتها العميقة من أجل إعادة تشكلها من جديد وامتصاص غضب الشارع “فالحذر الحذر، لا شيء تغير” كما قال.

أما عضو حزب جبهة التحرير الوطني وليد بن قرون فدافع عن دستورية قرارات الرئيس، مؤكدا أن قراره بتأجيل الانتخابات يستند إلى المادة السابعة بعد المئة من الدستور، كما نفى أن يكون رئيس الحكومة الجديد نور الدين بدوي رجلا متحزبا.

و اعتبر بن قرون أن ما ساقته الأحزاب المناهضة للحكومة خطاب “تيئيسي تضليلي هدفه تسويد الوضع العام في الجزائر، وهو ما يتنافى مع مصلحة الجزائر شعبا ومؤسسات”.

و أضاف “قرارات السيد رئيس الجمهورية اليوم كانت واضحة و صائبة و بمصلحة الشعب الجزائري و استجابة لطلباته، لا توجد هناك عهدة خامسة، و تمت إقالة الحكومة، و وضع الكثير من رجال الأعمال تحت الإقامة الجبرية، هناك فعلا تغيير للنظام لكن بطريقة سلسة”.

و حاليا يتم وبشكل واسع توزيع منشورات تدعو إلى تنظيم مسيرة حاشدة يوم الجمعة، رفضا للقرارات المتخدة والتي اعتبروها محاولة للالتفاف على مطالب الجزائريين.

 

** لا لتمديد العهدة الرابعة

لم يكن اعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تأجيل الانتخابات وعدم الترشح لفترة خامسة كافيا ليبعد الجزائريين عن الشارع، بل زادهم إصرارا على تحقيق مطالبهم، إذ ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالهاشتاغات المطالبة برحيل الرئيس واستقالة الحكومة.

و رفض الجزائريون رسالة رئيسهم التي قال فيها: “لن أترشح لعهدة خامسة. لا شك في ذلك بالنسبة لي. بالنظر إلى حالتي الصحية والعمر، فإن واجبي الأخير تجاه الشعب الجزائري هو الإسهام دوما في تأسيس جمهورية جديدة”.

و أطلقوا هاشتاغ #لا_لتمديد_العهده_الرابعه الذي كان ضمن قائمة أكثر الهاشتاغات انتشارا في الجزائر معتبرين أن ما جاء في بيان الرئيس ما هو إلا تحايل على الدستور مناورة لتمديد العهدة الرابعة.

و طالب بعضهم بأن تكون”الجمعة القادمة بعنوان لا للتأجيل لا للتضليل نطلب منكم الرحيل” معتبرين الأمر أخطر خطوة للالتفاف على مطالب الشعب”.

 

 

** تعرّف على رئيس الحكومة الجزائرية الجديد

 

الوزير الأول الجديد هو نور الدين بدوي الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة، و يوصف بأنه تكنوقراطي وابن مخلص للنظام في الوقت ذاته.

في 22 ديسمبر 1959 ولد نور الدين بدوي في منطقة بعين طاية بالعاصمة الجزائر لأسرة تنحدر من ولاية ورقلة شرقي البلاد.

و تشير سيرته الذاتية إلى أنه خريج المدرسة الوطنية للإدارة في الجزائر، وبعد تخرجه عمل في الإدارة المحلية وتدرج في العديد المناصب.

و قد عمل بدوي واليا على كل من: سيدي بلعباس، برج بوعريريج، سطيف، قسنطينة، وفي 2013 خطا نحو التوزير، فتولى حقيبة التعليم والتكوين المهني.

و في 14 ماي 2015 شغل منصب وزير الداخلية و الجماعات المحلية في حكومة عبد الملك سلال، واحتفظ بهذا المنصب حتى تعيينه اليوم رئيسا للوزراء.

يعتبر بدوي تكنوقراطيا متضلعا في الإدارة، ولا يعرف عنه أنه تورط في الشأن السياسي، ولا يتداول اسمه في صراعات اجنحة النظام.

لكن تعيينه في هذا المنصب قد يثير هواجس الطامحين إلى التغيير، لكونه ترعرع في كنف النظام القائم بحكم كثرة المناصب الإدارية التي شغلها وقيادته لوزارة الداخلية.

و لئن كان تعيين بدوي وزيرا أول يعني رغبة النظام في ضبط الأمور لصالحه فإن تسمية رمطان لعمامرة نائبا له تبعث رسائل طمأنة للداخل والخارج بحكم سمعته الدبلوماسية ووعيه بأهمية الانتقال الديمقراطي في أفريقيا والعالم العربي.

و في مسعى آخر لطمأنة الشارع والعالم، استقبل بوتفليقة الاثنين الدبلوماسي الأممي المخضرم وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي، بالتزامن مع صدور قرار تعيين الوزير الأول الجديد والتعهد بعدم الترشح لولاية خامسة.

و قال الإبراهيمي “نظرا للوضع الذي تمر به البلاد أخبرني ببعض القرارات الهامة الذي هو بصدد اتخاذها”.

و تابع “صوت الجماهير -خاصة منها الشباب- مسموع، ومرحلة جديدة بناءة ستبدأ في مستقبل قريب وستعالج الكثير من مشاكلنا”.

و أضاف الإبراهيمي أن “الشباب الذين خرجوا في شوارع بلدنا تصرفوا بمسؤولية أثارت إعجاب الجميع في الداخل والخارج”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *