عزيزة بن عمر
من المعارضة غير المعترف بها إلى المعارضة البرلمانية غير المؤثرة… قدر اليسار التونسي ألا يحكم لأنه عاجز عن الحكم وحظه أن يكتفي بمعارضة شبه صورية. لم يجن أحد على اليسار التونسي فهذا ما جناه على نفسه.
يعيش اليسار التونسي حالة من الاحتضار السياسي و هو ما فسرته النتائج الأولية للانتخابات التشريعية وفق مؤسسات استطلاع الراي.
و إلى حد اللحظة لم تشر مصادر عن حصول أية مرشح من حزب الجبهة الشعبية أو من مفربين إليها بحصولهم على مقعد في البرلمان رغم حديث عن امكانية حصول المرشح اليساري المنجي الرحوي على مقعد وحيد.
وكانت كتلة الجبهة الشعبية تحصلت على 15 مقعد في الانتخابات الفارطة لكنها شهدت انقساما في الأشهر الأخيرة.
ولم تعد الشخصية النضالية التي يمثلها حمة الهمامي قادرة على تجميع اليسار وضرب مرض الانقسام والاصطفاف جسم الجبهة التي شكلت قطبا معارضا قويا داخل البرلمان في السنوات الماضية.
و بدأت أولى معالم هذا الانهيار في النتائج المخيبة التي حصل عليها كل من المرشحين الرئاسيين حمة الهمامي و المنجي الرحوي بحوالي 1.75 بالمئة من الأصوات.
هزيمة مدوية لرفاق حمة الهمامي :
هزيمة القوى اليسارية مدوية و صاعقة، خصوصا أن هذه القوى كانت و لفترة قريبة تمثّل ثقلاً سياسياً بحكم أنها قدمت زعيمين من كبار قياداتها هما محمد البراهمي و شكري بلعيد، اللذين قُتلا في عمليات اغتيال طالتهما منذ ست سنوات، و شكّل ذلك حينها مشهداً فاصلاً في الواقع التونسي.
القوى و الأحزاب اليسارية التي فشلت في الحصول على أي مقعد في البرلمان الجديد، تجسد أزمة كبيرة تعيشها هذه القوى منذ سنوات عدة، وصفها المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي ” لمغرب نيوز” بأنها “نتاج لما أفرزته المعركة حول الانتخابات الرئاسية، التي أخذت بعداً أخلاقياً على المستوى السياسي. و خلق ذلك فراغاً بين تفكير المواطن العادي و بين واقع الأحزاب التي بدأ للناس أنها لا تمثل خدمة الصالح العام، بل تعبّر عن رؤية انتهازية تسعى إلى الوجاهة و السلطة، فاختار المواطنون الأطراف التي قدمت نفسها بمظهر التعفف”.
و أضاف الجورشي أن “مشكلة اليسار تمثلت في تقديمه صورةً مشوهةً لقيادته التي ظهرت بشكل انتهازي، و معركة الانتخابات الرئاسية بين قياداته، التي ظهرت و كأنها معركة زعامات لا مصلحة فيها للشعب. كما أن هذه القيادات اليسارية لا تمثل رمزية للتعفف و النضال و تضحيات أجيال اليسار في تونس من أجل الديموقراطية. وجاء العزوف عن التصويت للقوى اليسارية في هذه الانتخابات التشريعية نتيجة وضع خلقته هذه القيادات و لا تمثل المبادئ و المثل التي كانت تنتظرها الناس منها”.
معارك على الزعامة
و أوضح المحلل السياسي أن “المعركة بين قوى اليسار لم تكن على أفكار أو مشروعات، بل على تصويت عاطفي شخصي، و من ذهب للانتخاب و هم أقل من ثلث الشعب التونسي انتخب الصورة فقط و ليس الأفكار أو البرامج بينما مَن قاطع هذه الانتخابات كان يعاقب الانتهازيين و الكاذبين. و اليسار بدل أن يكون هو مَن يجمع الغاضبين أخطأ و قدم أشخاصاً انتهازيين همهم الوحيد الزعامة و الشخصنة”.
وقال الطبيب إن “اليسار في تونس أجيال و ليس مدارس، و هنالك جيل جديد و أصوات تتعالى داخل الطيف اليساري تملك فكراً و لا تعيد تكرار الحديث عن بطولاتها و نضالها وتصديها للأنظمة السابقة، و الكلمات التي ملها أبناء هذه القوى و كرهها الشارع في تونس”.