لا تزال العودة المفاجئة لوزير الدفاع الجزائري الأسبق، خالد نزار، إلى الجزائر، قبل أسبوعين، على الرغم من ملاحقته من قبل القضاء العسكري في العام 2019، وإدانته في فبراير/شباط الماضي، في قضية التآمر على سلطة الدولة والجيش بـ20 سنة سجناً، تثير الكثير من الجدل، لا سيما بعدما أظهرت صور مسربة أول من أمس أنه عاد إلى الجزائر عبر طائرة رئاسية أُرسلت لتقلّه من إسبانيا، حيث كان يقيم هناك منذ هروبه من البلاد في إبريل/نيسان 2019. وبرزت تساؤلات عمن أصدر قراراً بإرسال الطائرة الرئاسية إلى نزار. وقالت مصادر متطابقة إن قاضي التحقيق في المحكمة العسكرية بالبليدة، قرب العاصمة الجزائرية، استمع إلى نزار عقب عودته مباشرة بعدما سلم نفسه للسلطات بهدف إفراغ هذا القرار من محتواه الإجرائي. ووفقاً لما يقتضيه القانون، يتم إيداع المعني السجن 48 ساعة، ثم تمكين المتهم من تقديم طعن في الحكم الغيابي الصادر في حقه، وإعادة محاكمته أمام المحكمة العسكرية، على أن يكون لقاضي التحقيق حق تقدير إما إيداع المعني السجن المؤقت، أو وضعه في حالة سراح تحت الرقابة القضائية إلى حين إعادة المحاكمة.
وربط العودة، بسلسلة من المراجعات القضائية التي حصلت خلال الأشهر القليلة الماضية، لقضايا وملفات عددٍ من الجنرالات والعسكريين الذين وُضعوا قيد الملاحقة من قبل القضاء، خلال فترة سيطرة قائد الأركان الراحل الفريق أحمد قايد صالح على الحكم، يدفع إلى الحديث عن “تسوية وتفاهمات عسكرية – عسكرية”. ولا يُعرف ما إذا كانت هذه التسويات تستهدف “كبح الصراعات” في ظرف داخلي وخارجي حرج، أم إجراء مصالحات داخلية على حساب الحراك والمطلب الديمقراطي. يذكر أن نزار، كان قد عاد في شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، إلى الجزائر، قادماً من إسبانيا، وذلك بعد عام ونصف من الفرار، بسبب ملاحقته من قبل القضاء العسكري في قضية ما يعرف بـ”اجتماع 30 مارس/آذار 2019″، والذي كان يهدف بحسب القضاء إلى الإطاحة بأحمد قايد صالح، وإنشاء رئاسة انتقالية تحل محل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ويبدو أن الوقت وحده سيكون كفيلاً بالإجابة عن كثير من الأسئلة، المتعلقة بالتطورات الحاصلة في مستوىً ما من هرم السلطة، وتأثيرها على المستقبل السياسي للبلاد، وتحديداً توضيح ما إذا كان ما يحدث، يدخل ضمن سياق تصحيح أخطاء ارتكبت سابقاً، كما يعتقد البعض، أم أنها جزءٌ من إعادة ترتيب الجيش الجزائري والنظام السياسي بشكل عام وتوازناته الداخلية، تمهيداً لاستحقاقات داخلية وخارجية صعبة.
رسائل تصالح قبل عودة نزار
قبل عودة خالد نزار، كان القضاء الجزائري قد أفرج في شهر يوليو/تموز الماضي عن الجنرال جبار مهنى، بعد تبرئته من تهم فساد كانت وُجّهت إليه. وفي شهر أغسطس/آب الماضي، تمّ الإفراج أيضاً عن الجنرال عبد القادر آيت واعراب، المعروف باسم “حسّان”، والذي شغل في السابق منصب قائد وحدات مكافحة الإرهاب في جهاز الاستخبارات، بعد خمس سنوات من سجنه في قضية ذات بعد أمني. وسبق ذلك، الإفراج في بداية العام الحالي، عن الجنرال حسين بن حديد، الذي كان ملاحقاً بتهمة إضعاف معنويات الجيش وإهانة قائد عسكري. وكان واضحاً أن دعوة قائد أركان الجيش السعيد شنقريحة، للجنرال بن حديد، واستقباله في الاحتفال الرسمي الذي أقامه الجيش بمناسبة عيد استقلال الجزائر في 5 يوليو/تموز الماضي، وتركيز التلفزيون الرسمي على الحديث بين الرجلين، بمثابة رسالة “تصالح” وجّهتها قيادة الجيش للعسكريين الملاحقين قضائياً، تنم عن استعدادها لتسوية ملفاتهم. وتبع ذلك أيضاً إلغاء تهمة التخابر، التي كانت موجهة للجنرال علي غديري، وهو مرشح سابق للرئاسة، يقبع في السجن حالياً، وتعديل تهمة إهانة الجيش من جناية إلى جنحة، تمهيداً للإفراج عنه بحكم مخفف في وقت قريب.
رسالة “تصالح” ضمنية وجّهتها قيادة الجيش للعسكريين الملاحقين قضائياً، تنم عن استعدادها لتسوية ملفاتهم
لكن القضية الأكثر إثارة، والأبرز التي تجري مراجعتها في هذا السياق السياسي، تلك المتعلقة بقضية التآمر على الدولة والجيش، والمتهم فيها قائدا جهاز الاستخبارات السابقان، الفريق محمد مدين (المعروف بالجنرال توفيق) وبشير طرطاق، ووزير الدفاع الأسبق خالد نزار، بالإضافة إلى شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، السعيد بوتفليقة (بوتفليقة وطرطاق ومدين موقوفون حالياً)، والأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، التي أطلق سراحها في فبراير/شباط الماضي، مع الإبقاء عليها قيد المراقبة (تمّت تبرئتها من تهمة التآمر). وكانت المحكمة العليا في الجزائر قد أصدرت قراراً في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بإلغاء أحكام سابقة كان أصدرها القضاء العسكري في حقّ هؤلاء، وتقضي بإنزال عقوبة السجن لمدة 15 عاماً، بحق قائدي جهاز الاستخبارات السابقين، وشقيق الرئيس السابق، و20 سنة حبساً لنزار، وتقررت إعادة المحاكمة قريباً. ولا تشك كلّ الأطراف المراقبة للوضع في الجزائر، أن تسريع القضية يهدف إلى إفراغها من محتواها السياسي، تمهيداً لإخلاء سبيل المتهمين، ضمن سياقات التسوية المطروحة.