الجزائر: فسيفساء المشهد الحزبي ومستقبل مكوناته في أفق 2019 .. بقلم علي اللافي

رغم تقنين عشرات الأحزاب بعد إقرار التعددية سنة 1989، إلا أن الرأي العام في الخارج وفي الداخل الجزائري أيضا لا يعرف إلا أحزابا معدودة تٌؤثث الحياة السياسية والبرلمانية وتنشر أخبارها وأنشطتها في الصحف والقنوات التلفزية، ورغم ذلك شارك 57 حزبا في الانتخابات التشريعية التي جرت في الرابع من مايو/أيار2017، وباستثناء الإسلاميين الذين فضلت أحزابهم الدخول في تحالفات في ما بينها فإن كل الأحزاب الأخرى تخوض المنافسات والاستحققات الانتخابية بقائماتها الحزبية، وفي ظل التطورات الأخيرة وتحقيق الحراك الشعبي لمطالبه الأولى والرئيسية (إسقاط العهدة الخامسة – استقالة كل من بوتفليقة ورئيس المجلس الدستوري – إيقاف وحبس ما اصطلح على تسميته بـــ”رؤوس العصابة”)، فان السؤال المطروح ما هو مستقبل المشهد الحزبي في الجزائر في أفق نهاية سنة 2019 وقبل ذلك ما هي فسيفساء ذلك المشهد؟

** فُسيفساء المشهد الحزبي الجزائري

1- حزب جبهة التحرير الوطني(FLN)

ويُعد عمليا أكبر وأقدم الأحزاب السياسية الجزائرية، وهو وريث “جبهة التحرير الوطني” التي فجرت الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، ثم أصبح الحزب الوحيد والحاكم في الجزائر منذ استقلالها حتى إعلان التعددية السياسية عام 1989، وقد جدت داخله خلافات حول منصب الأمين العام منذ منتصف سنة 2018 بين كل من “جمال ولد العباس” و”معاذ بوشارب”، إلا أن اللجنة المركزية المجتمعة يوم 02 ماي الحالي انتخبت “محمد الجميعي” أمينا عاما جديدا، وقد حصل الحزب على أغلبية مقاعد المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) في الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2012 وأيضا سنة 2017 (164 من أصل 462نائبا)…

2- التجمع الوطني الديمقراطي(RND)

تأسس “التجمع الوطني الديمقراطي” في فيفري 1997، قبل الانتخابات التشريعية التي أجريت في ذلك العام، ويعدّ القوة السياسية الثانية، ويؤكد قانونه الأساسي أنه “مؤسس على مبادئ وأهداف بيان الفاتح من نوفمبر 1954″، وأن مرجعيته الفكرية هي “الرصيد التاريخي للحركة الوطنية للأمة”، وهو شريك في الحكومة قبل إقالتها وتعويضها بحكومة “نور الدين بدوي”، ويتولى أمانته العامة رئيس الوزراء السابق “أحمد أويحي”، وهناك خلافات كبرى في الحزب نتاج وجود تيار يُطالب برحيل “أويحي” وبعض قيادات مقربة منه، وقد حل في المرتبة الثانية بعد الانتخابات التشريعية لعام 2017 بــ97 مقعدا….

3- جبهة القوى الاشتراكية(FFS)

وهو حزب يساري يوصف بأنه أقدم حزب معارض في الجزائر حيث تأسس عام 1963، وتزعمه عند تأسيسه الزعيم التاريخي الراحل “حسين آيت أحمد” والذي كان قياديا في حزب جبهة التحرير الوطني، وقاده لمدة عقود ولمدة طويلة من جينيف (حتى عرف بأنه حزب “الفاكس”)، قبل أن يستقيل في ماي 2013، وهو حزب يتمتع بشعبية كبيرة وخاصة في منطقة القبايل، ويقوده اليوم “عبدالمالك بوشافة ” وله 14 نائبا برلمانيا…

4- التجمع الوطني من أجل الثقافة والديمقراطية(RNCD)

وهو حزب علماني معارض، تأسس في فيفري 1989، ترأسه “سعيد سعدي” ثم “محسن بلعباس”، يتركز ثقله السياسي في منطقة القبائل، وهو يعتبر “الأمازيغية والعروبة والإسلام، إضافة للانتماء المغاربي والإفريقي والمتوسطي من المكونات والمقومات الأساسية للهوية الوطنية”، وقد شارك في الحكومة عام 1999 إثر وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة، قبل أن يخرج منها عام 2001، كما قاطع الانتخابات التشريعية التي أجريت في مايو/أيار 2012، وقد حصل على 09 مقاعد نيابية في انتخابات 2017…

5- الأحزاب الإسلامية

شارك إسلاميو الجزائر في الانتخابات التشريعية لعام 2017 تحت لافتة قطبين كبيرين، الأول يضم أحزاب حركة النهضة، وحركة البناء الوطني، وجبهة العدالة والتنمية، بينما ضم الثاني كل من حمس (حركة مجتمع السلم) وجبهة التغيير:

أ‌- الاتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء

وهو تحالف إستراتيجي بين ثلاثة أحزاب إسلامية هي “حركة البناء الوطني”، و”جبهة العدالة والتنمية”(بقيادة عبد الله جاب الله) و”حركة النهضة” (بقيادة محمد ذويبي)، ووقعت الأحزاب الثلاثة على وثيقة “التحالف الإستراتيجي” في يناير/كانون الثاني 2017، لخوض الانتخابات التشريعية في مايو/أيار 2017، وهدف التحالف يومها -بحسب نص الوثيقة- إلى تحقيق 14 هدفا، أهمها “المحافظة على السيادة وحماية الوحدة الوطنية والدفاع عن الحقوق والحريات الفردية والجماعية”، وقد تحصل هذا التحالف على 15 مقعدا نيابيا…

ب‌- “حمس”(MSP) و”التغيير”

أعلنت حركة مجتمع السلم أي “حمس” (بقيادة “عبدالرزاق مقري”) و”جبهة التغيير(بقيادة عبد المجيد مناصرة)، قرار الوحدة الاندماجية بين الحزبين الإسلاميين، وذلك في جانفي 2017، ومعلوم أن “حمس” هو حزب إسلامي أسسه الداعية الراحل محفوظ النحناح في 30-05-1991 بعد فتح التعددية السياسية في البلاد وقد شارك في حكومات عدة منذ نهاية التسعينات قبل انضمامه للمعارضة بينما تأسست “جبهة التغيير” مطلع عام 2012 بعد انشقاق قيادات من حركة حمس إثر أزمة داخلية، ومعلوم أن هذا التحالف حصل على المرتبة الثالثة بـــ33 مقعدا ….

ت حركة الإصلاح الوطني(MRN): وهو حزب تم تـأسيسه في 14-01-1999 بعد حدوث انقسام في حزب حركة النهضة الإسلامي، وقد أسسه “عبدالله جاب الله” قبل أن يغادره ويؤسس حزب “جبهة العدالة والتنمية”، ويقود الحزب حاليا “فيلالي غويتي”، وهو تقريبا الحزب الإسلامي الوحيد الذي لم يدخل في الائتلافين السابقين، وله نائب فقط في مجلس النواب …

أحزاب أخرى ذات حضور في الساحة السياسية

أ‌- حزب تاج: وهو تسمية ومختصرة لـــ”تجمع أمل الجزائر” الذي أسسه النائب والوزير الحالي عمار الغول، وقد عقد الحزب مؤتمره الأول في نهاية 2018، ولكنه شهد موجة استقالات بعد الاتهامات الموجهة للغول بالفاسد واعتباره من رجال “بوتفليقة”، ومعلوم أن للحزب 19 نائبا… …

حزب العمال: حزب اشتراكي من أقصى اليسار الماركسي، تأسس عام 1990 بعد فتح مجال التعددية السياسية الذي جاء به دستور 1989، يتبنى الأفكار التروتسكية وهو وريث التنيظم السري السيوعي المعروف باسم “المنظمة الاشتراكية للعمال”، وتتزعم الحزب “لويزة حنون” منذ تأسيسه، وللحزب 11 مقعدا نيابيا…

ب‌- الحركة الشعبية الجزائرية (ٍMPA): وهو حزب ليبرالي أسسه السياسي والوزير السابق “عمارة بن يونس” سنة 2012، وخاض به انتخابات 2017 ليحصل على 13 مقعدا….

ت‌- أحزاب أسسها مُنشقون عن جبهة التحرير الوطني: منذ بداية التسعينات، أسس قياديون غادروا الجبهة أحزابا سياسية من بينها:
• حزب “الوسط السياسي”: تأسس في 15-09-2012
• حزب “جبهة المستقبل”: أسسه “عبد العزيز بلعيد”، وهو حزب له 14 نائبا…
• حزب طلائع الحريات: وهو حزب أسسه رئيس الحكومة الأسبق “علي بن فليس” في 08-09-2015، وهو مرشح ومنافس سابق في الرئاسيات…

ث‌- أحزاب صغرى: عشرات من الأحزاب تعتبر نخبوية ولا أنشطة لها إلا إصدار بعض بيانات، وبقيت أنشطتها مناسباتية، ومن بينها:

• “التجمع الوطني الجمهوري”(RNR)، وهو حزب أسسه رئيس الوزراء الأسبق المرحوم “رضا مالك” في 05-05-1995، وكان له 04 نواب في انتخابات 2007…
• “عهد 54”: وهو حزب أسسه “فوزي ربعيين” في 27-03-1991، وله نائبين في المؤسسة التشريعية منذ 2007…
• “الجبهة الوطنية الجزائرية”(FNA)، يرأسه “موسى تواتي”، وهو حزب له نائب وحيد اثر انتخابات 2017 …
• “الجبهة الجزائرية للتنمية والحرية والعدالة” (FADLJ)، وهو حزب أسسه “الطيب ينون” في 19-03-2013…

• أحزاب لها أكثر من ثلاث مقاعد نيابية: “التحالف الوطني”(8 مقاعد)، “حركة الوفاق الوطني”(4 مقاعد)، “حزب الكرامة” (3 مقاعد)…

• أحزاب لها مقعدين: “حزب الحرية والعدالة”- “حزب الشباب”-“التجمع الوطني الجمهوري”-“حركة الانفتاح”- “جبهة النضال الوطني”- “الجبهة الديمقراطية الحرة” الحزب الوطني للتضامن والتنمية”…

• أحزاب لها مقعد برلماني: “تحالف تكتل الفتح”-“الجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية”- “جبهة الجزائر الجديدة”-“اتحاد القوى الديمقراطية والاجتماعية”-“الجبهة الوطنية للحريات”- “حزب التجديد الجزائري”- “الاتحاد للتجمع الوطني”-“الاتحاد الوطني من أجل التنمية”- “الحركة الوطنية للعمال الجزائريين”-“حركة المواطنين الأحرار” ، “حزب العدل والبيان”-“جبهة الشباب الديمقراطي للمواطنة”- “حزب الفجر الجديد”

** حول مستقبل المشهد الحزبي الجزائري

مما لا شك فيه أن مستقبل المشهد الحزبي الجزائري سيرتبط بمستقبل الحراك الشعبي الذي سينظم اليوم الجمعة 12، ومدى قدرة الحراك/الجيش على إدارة الأزمة السياسية في الجزائر المترتبة على محاولة تمرير العهدة الخامسة في فيفري الماضي، وباعتبار الانجازات الحالية للحراك وفي ظل تلبد الوضع الإقليمي وجملة المتغيرات الدولية المنتظرة في منطقة الشرق الأوسط ونتاج وترتبات تطورات الأوضاع في ليبيا، فانه من المهم التأكيد على:

أ‌- من المنتظر أن يشهد حزبي “التجمع الوطني الديمقراطي” و”جبهة التحرير الوطني” هزات سياسية وتنظيمية نتاج غياب مستقبلي لتوظيف قُدرات الدولة ومقدراتها، خاصة في ظل تأكيد قيادة أركان “الجيش الوطني الشعبي” أنها لن تعود إلى مربعات التسعينات ومستنقعات السياسة…

ب‌- كل حزب نتائجه مستقبلا ستنبن ضرورة على معايير شعبيته وقدرته في تقديم البرامج والاقتراب من المواطنين وخدمتهم ومعايشة آلامهم وآمالهم ومشاغلهم اليومية…

ت‌- ستتقلص عقلية الزعامة السياسية في المؤسسات القيادية للأحزاب الجزائرية، ومعلوم أن بعض أحزاب ومنذ أكثر من عقدين لا يتغير الزعيم والمسؤول الأول إلا برحيله….

ث‌- من المنتظر أن تتطور نسبة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة بشكل كبير مقارنة بانتخابات 2012 و2017 حيث كانت النسب تباعا 43 بالمائة و38.5 بالمائة…

ج‌- سيحصل الوعي بانجاز ائتلافات وتحالفات سياسية في المستقبل إضافة إلى ضرورات إجراء تقييمات على إدارة الأحزاب وتسييرها وتشريك الشباب والنساء وإطارات الأحزاب من كل الولايات…

ح‌- من المنتظر أن يحدث استقطاب أكثر حدة من السابق ولكن في إطار التنافس الديمقراطي بين التيارين الإسلامي والعلماني…

خ‌- من المنتظر أن يتشكل حزب جديد تلتحق به بعض الأحزاب الصغرى والنخب الجامعية وعدد من الإطارات الإدارية، وسيكون ذلك الحزب مرشحا للتموقع في المراتب الأولى برلمانيا…

د‌- سينكشف التلاعب الذي حدث في عدد من الأحزاب وكيف تم اختراقها وتوظيفها وكيف لعبت بعض أحزاب وقيادات أدوارا وظيفية، وكل ذلك ستكون آثاره كبيرة وخاصة بعض الأحزاب المتولدة على “جبهة القوى الاشتراكية” و أيضا على “التجمع الوطني الديمقراطي” وعلى بعض الأحزاب الإسلامية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *