أين يتخرج «جيش السلطة الرابعة» في تونس؟ .. بقلم كمال بن يونس

أين يتخرج «جيش السلطة الرابعة» في تونس؟
عدد الإعلاميين في الفضائيات ووسائل الإعلام تضاعف مراراً

كمال بن يونس
يكثر الجدل في تونس حول مستقبل «السلطة الرابعة» التي ازداد دورها منذ انتفاضة يناير (كانون الثاني) 2011، بينما تضاعف مراراً حضور الإعلاميين التونسيين في الفضائيات ووسائل الإعلام والجامعات العربية والعالمية.

وإذ تتباين تقييمات السياسيين والمثقفين لأداء عشرات القنوات الإذاعية والتلفزيونية، وآلاف الصحف الإلكترونية والورقية خلال السنوات الـ12 الماضية، فإن عدداً من الخبراء يفسرون تعثر مسار الانتقال الديمقراطي في تونس بـ«الخلط بين المهنية الإعلامية والتوظيف السياسي» لأسباب عدة، من بينها «الثغرات» داخل «المدارس العليا» والمؤسسات الجامعية التي يتخرج فيها «جيش السلطة الرابعة».

بالنسبة لأبرز «المدارس» والمؤسسات الجامعية التي ينتسب إليها المتحكمون في الرأي العام، تكشف تقارير السلطات التي تسند سنوياً «البطاقة المهنية» لآلاف الإعلاميين والعاملين في قطاع الإعلام، أنهم تخرّجوا في جامعات ومدارس من اختصاصات مختلفة؛ لكن معظمهم لا علاقة لهم بجامعة الصحافة والإعلام الحكومية «معهد الصحافة وعلوم الإخبار». ثم إن مئات المصورين الصحافيين والمنتجين في الإذاعات والقنوات التلفزيونية والمواقع الرقمية درسوا في «مدارس خاصة انتشرت كالفقاقيع في كل المدن» على حد تعبير أستاذ الإعلام في الجامعة التونسية سامي المالكي.

الجامعة الحكومية والخاصة

في هذا السياق، أفاد الأكاديمي محمد حمدان، المدير السابق لـ«معهد الصحافة وعلوم الإخبار» الحكومي، والمدير حالياً في الجامعة الخاصة «الجامعة العربية للعلوم بتونس» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «نسبة كبيرة من الإعلاميين التونسيين تخرّجوا في كليات الآداب والعلوم الإنسانية والحقوق، أو من مدارس خاصة صغيرة تسلم لخريجيها شهادات مصور صحافي، أو شهادات منتج ومخرج إذاعي وتلفزيوني… إلخ». لكن حمدان ذكر أيضاً أن أكثر من 1500 صحافي تونسي برزوا في عدة وسائل إعلام تونسية ودولية خلال السنوات الخمسين الماضية، تخرّجوا في «معهد الصحافة وعلوم الإخبار» الحكومي الذي أسس عام 1968، وصار مؤسسة مستقلة بذاتها تابعة لوزارة التربية عام 1973، ثم صار «جامعة» تابعة لوزارة التعليم العالي منذ 1978.

من ناحية ثانية، كشف حمدان أن «الجامعة العربية للعلوم بتونس» -وهي جامعة خاصة أسسها مع نخبة من الجامعيين ورجال الأعمال الخواص منذ 1993- ساهمت بدورها في تخريج مئات الصحافيين والإعلاميين التونسيين والعرب والأفارقة. وبين هؤلاء من أسندت إليهم مسؤوليات عليا في وكالات الأنباء والقنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف الكبرى في بلدانهم. أيضاً أسست منذ أكثر من عشرين سنة «الجامعة المركزية» بتونس من قبل عدد من رجال الأعمال والجامعيين، وهي تدرّس طلبة من اختصاصات مختلفة، بينها الإعلام والاتصال.

مئات «الوسطاء»

بيد أن الإعلامي مراد علالة، المتخرّج في الجامعة الحكومية، والذي يشرف حالياً على برامج تدريس الإعلام في الجامعة الخاصة منذ 15 سنة، قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «من بين التحديات بالنسبة للسلطة الرابعة في تونس، أن نسبة كبيرة جداً من بين العاملين في قطاع الإعلام تخرّجوا في مدارس خاصة وصغيرة للتدريب والتعليم، يشرف عليها وسطاء بين عالمي المال والتعليم من جهة، وبين قطاعات الإعلام والإنتاج الإذاعي والتلفزيوني والعمل الصحافي من جهة ثانية». وتابع: «تضخم عدد هذه المدارس ومراكز التدريب والتكوين بعد ثورة يناير 2011، وتحرير قطاع الإعلام، وتأسيس آلاف المواقع الإلكترونية والصحف والإذاعات والتلفزيونات الخاصة… كذلك فتح مكاتب في تونس لمئات من وسائل الإعلام والاتصال العالمية، فضلاً عن تأسيس فروع لمئات المراكز والمنظمات الأوروبية والأميركية والعربية المختصة في تدريب الإعلاميين والعاملين في قطاعات الإعلام والاتصال والحريات وحقوق الإنسان».

تمويل أوروبي وأميركي

في هذا الإطار، تكشف التقارير العلنية لمفوضية الاتحاد الأوروبي بتونس، ولوزارات الخارجية الأميركية والألمانية والفرنسية، ولمؤسسات «دعم الديمقراطية والحريات الإعلامية»، في بروكسل وواشنطن وبرلين، وغيرها، أنها أنفقت في تونس خلال السنوات العشر الماضية نحو 10 مليارات دولار في مجال دعم الإعلام والإعلاميين وجامعات الإعلام، وأيضاً تنظيم برامج تدريب وإعداد لفائدة الصحافيين ومدرّسي الصحافة في تونس وأوروبا وأميركا وفي المنطقة العربية. وبالفعل، ساهمت سفارات الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية أخرى، في تمويل برامج تعليم وتدريب وتأهيل نظمتها مراراً مع «معهد الصحافة وعلوم الأخبار» -أي الجامعة التابعة لوزارة التعليم العالي التونسية- وأخرى بالاشتراك مع وزارات التعليم في البلدان المغاربية، على حد تعبير الأكاديمي والمدير العام السابق للإعلام في وزارة الاتصال التونسية، صلاح الدين الدريدي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط».
ذ
حميدة البور – الصحراوي قمعون

مؤسسة تعليم أفريقية

من جانب آخر، يتصدر قطاع التعليم وإعداد الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام في كل من تونس والدول العربية والأفريقية «المركز الأفريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين بتونس» الذي أسسته السلطات التونسية عام 1983، وأشرف عليه أساتذة من معهد الصحافة الحكومي، مثل: رضا النجار، والصادق الحمامي، وعبد الكريم الحيزاوي. ونجحت هذه المؤسسة خلال السنوات الأربعين الماضية في استقطاب مئات الإعلاميين التونسيين والعرب والأفارقة، وتنظيم برامج تعليم وتدريب لفائدتهم، تتراوح مدتها بين بضعة أيام وبضعة أشهر. وتحصل هذه المؤسسة الحكومية التونسية على دعم مالي وتعليمي من عدة مؤسسات جامعية ومالية أوروبية وعربية وأفريقية ودولية.

هذه المؤسسة استفادت أيضاً من فرص التمويل المتزايدة لقطاعات التربية والتعليم والإعلام في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد الثورات العربية في 2011. وأصبحت تنظم دورات تدريب وتأهيل وإعداد لمئات الإعلاميين التونسيين والعرب والأفارقة، بالشراكة مع الإدارات العامة لوكالات الأنباء والقنوات الإذاعية والتلفزيونية التونسية والمغاربية والأوروبية. ولقد انتفع من هذه البرامج المتخرجون في معاهد الإعلام الحكومية والخاصة، والصحافيون الذين تخرجوا في كليات العلوم الإنسانية واللغات والحقوق والاقتصاد.

الخبرة والكفاءة و«الدخلاء»

في سياق متصل، تشهد وسائل الإعلام والمنتديات التي تنظمها النقابات ومنظمات المجتمع المدني على الدوام، جدلاً وتنافساً بين تيارين: الأول يطالب بمنع توظيف «الدخلاء» في قطاع الصحافة والاتصال، قاصداً إبعاد الذين لم يتخرجوا في «معهد الصحافة وعلوم الأخبار» الحكومي. أما التيار الثاني فيدعو إلى «إعطاء الأولوية للخبرة والكفاءة»، وهما في اعتقاد ممثليه متوفرة أكثر في خريجي كليات الاقتصاد والعلوم الإنسانية والآداب والحقوق.

وحقاً، يتهم بعض الجامعيين والإعلاميين برامج التدريس في الجامعة الحكومية بكونها نظرية وتقليدية، ويعتبرون أنها لا تضمن للخريجين وللصحافيين الشبان «الثقافة العامة والمنهجية العلمية التي توفرها بقية الجامعات المتعددة الاختصاصات».

وفي المقابل، نوّه الصحراوي قمعون، الإعلامي والأستاذ في «الجامعة العربية للعلوم بتونس» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بالمستوى العلمي «لكثير من الأساتذة والبرامج في معاهد الإعلام العمومية (الحكومية)»؛ لكنه اعتبر أن «من بين نجاحات الجامعة الخاصة أنها لا تكتفي بالجوانب النظرية والأكاديمية التقليدية؛ بل تضمن لطلبتها وخريجيها فرصة القيام بأعمال ميدانية ودورات تدريب خارج الجامعة، وزيارات للمؤسسات الإعلامية والاقتصادية».

ويقر أساتذة سابقون في الجامعة الحكومية بضرورة «مواكبة المستجدات في عالمي: التكوين العلمي، والتدريب المهني الميداني للإعلاميين».

وفي هذا الشأن، يرى عبد الكريم الحيزاوي، وهو رئيس «المركز الأفريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين» سابقاً، أنّ تدريب طلبة الإعلام والصحافيين يجب ألا يكون نظرياً فقط، وطالب بتدريبهم على «مواجهة الصعوبات الميدانية، بما في ذلك طريقة التعامل مع الجماعات المسلحة التي تستهدفهم وتستهدف المدنيين ومؤسسات الدولة».

ختاماً، تعاقبت الورشات التي نظمها «معهد الصحافة وعلوم الأخبار» الحكومي، ومؤسسات تعليمية وإعلامية دولية. وأوصت هذه الورشات –خصوصاً- بتطوير برامج التعليم والتدريب لطلبة جامعات الإعلام وخريجيها، مثلما جاء على لسان مديرة المعهد، الإعلامية والأكاديمية حميدة البور، والجامعية نائلة السّاحلي. وأكدت التوصيات ضرورة تحقيق توازن بين تحكم خريجي الجامعات والمدارس الإعلامية في المحتوى والمضامين الإعلامية، ومواكبة التقدم التكنولوجي العالمي، وازدياد تأثير الشبكة العالمية للمعلومات «الإنترنت» في جمهور وسائل الإعلام التقليدية والمستحدثة على حد سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *