أجندة استقطاب المرأة: كيف يعدّ الإرهاب عرائس الموت ؟ … بقلم غفران حسايني

تفاجأ التونسيون يوم أمس ( الاثنين، 29 أكتوبر 2018) بعملّية إنتحاريّة قامت بها إمرأة في عقدها الثالث في قلب العاصمة وتساءل كثيرون عن الرسائل المضمّنة في تدشين مرحلة جديدة مما يمكن تسميته ” إرهاب النساء المسلّح”  ضمن جماعات متطرّفة تحمل في أيديولوجياتها أكثر القراءات الدينية تعسفا على المرأة وحقوقها الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية ، لذلك دائما ما تطرح قضية التحاق النساء بهذه التنظيمات والانخراط في تنفيذ مخططاتها اشكالات متعدد الأبعاد والأصعدة لدى الباحثين في الجماعات الإرهابية او باحثي علم الاجتماع والنفس والمهتمين بدراسة هذه التيارات العنيفة .

حتّى جرت التقاليد والعادة على اعتبار المشاركة في الإرهاب مجالا مقتصرا على الذكور كما ورد في مقال بعنوان “إرهاب الإناث” في مجلّة الإرهاب والعنف السياسي لكارين جاك وبول ج.تايلور بتاريخ 19 مارس 2010، ولعل ما كرّس من خلال هذه النظرة هو استبعاد فكرة التحاق المرأة بتنظيم يعادي حقوقها ويعتبرها مواطنا من الدرج الثالثة لا تقدر على القيادة ولا تمتلك مؤهلات فطرية للعمل المسلّح في ظل الارهاب المعولم  المعاصر بنسخته الداعشّية التي نعيش فيها مرحلة ما بعد فقدان الأرض وتفكك دولة داعش واستمرارها كتنظيم بمخططات دمويّة عابرة للحدود.

 

** مرتكزات استقطاب النساء في التنظيم الإرهابي.

 

ان التعاطي مع بعض المعطيات والأرقام والدراسات الصادرة يجعلنا نفكّر بأكثر عقلانية في تفكيك مدى قدرة الإرهاب بوجه عام على استقطاب نساء قادمات من خلفيات وطنية وثقافية وحضارية مختلفة قد تكون في نسبة مهمّة منها مجتمعات في أقصى درجات الانفتاح والتحرر والمناداة بحقوق النساء في أوروبا وأمريكا الشماليّة ،فقد كشفت دراسة أخيرة صادرة عن معهد السياسة الاستراتيجية في أستراليا للباحثة “صوفيا باتل ” أن تنظيم الدولة  منذ نشأته قامت بتجنيد النساء بنجاح كبير من كل الخلفيات والإيديولوجيات لتولّي مواقع رئيسية لتعزيز الأهداف الاجتماعية والسياسية للتنظيم ..ووفقا للتقديرات الأخيرة فإنه من أصل 31000 مقاتل داعش وجدت 6200 إمرأة انتمت بشكل مباشر إلى داعش أي ما يناهز خمس التنظيم ([1] ) وهو طرح لدى الباحثين أكثر من تساؤل حول دوافع الانضمام النسوي إلى الإرهاب والانخراط فيه وتبني أطروحاته وأجنداته ومن ثمّ تولّي عمليات مخابراتيّة وحتّى إرهابيّة مسلّحة.

ولعل  مقاربة تحليلية لأسباب انخراط النساء في الإرهاب يجب أن يجعلنا ننطلق أوّلا  من كسر المسلمات الاجتماعية والتقليدية وحتى الأكاديمية التي تنظر إلى المرأة ككائن حي مختلف تماما عن الرجل ويميل إلى اهتمامات وأفكار أخرى مختلفة تماما عنه وهو ما أوقع كثير من الباحثين في شؤون الإرهاب والتطرف في خطأ تصنيف النساء التابعات لتنظيمات إرهابية ينظر إليهنّ كضحايا ساذجات تابعات للذكور مما يوقع مقاربات التصدي للإرهاب الأمنية والشموليّة تسقط في فخّ  الافراط في  تبسيط الدوافع الكامنة وراء قرارهن بالانضمام إلى داعش والبقاء كأنصار تابعات وخاضعات للأوصياء من الذكور مع تأثير يكاد لا يذكر في مجريات الأحداث وصناعة القرار كما نشر ذلك في آخر التقارير الصادرة عن  برنامج فض النزاعات لمركز كارتر ([2]).

فالدراسات التحليلية لرسائل الجماعات الإرهابيّة ومضامينها ونتائجها على المتقبّل كشفت أنّ  استجابة النساء لرواية التجنيد التي اعتمدها تنظيم الدولة بين سنتي 2012-2015 تتحدد حسب ظروف كل منهن الاجتماعيّة والاقتصاديّة وبحسب صدى الرسائل نفسها التي يتلقاها الرجال ويتأثرون بها ،وأنه لا ينبغي التعامل مع النساء المتقبلات لخطابات الجماعات الارهابيّة باعتبارهن مجموعة متجانسة ذات موقف واحد من الإرهاب والتطرّف يميل عاطفة إلى نبذ العنف والدمويّة وبالتالي عدم الإقبال على ممارسة الإرهاب ، فما يميز عمليّة استقطاب النساء حسب البحوث الميدانية التي قام بها برنامج فض النزاعات التابع لمركز كارتر في الولايات المتحدّة تكشف أيضا أنّ هناك استقطابا عن قناعة وتبنّي لتكل الأفكار المتشددّة التي يتمّ تلقيها من وسائل التواصل الاجتماعي المتصلة بالانترنات بالإضافة إلى شبكات العلاقات غير المتصلة بالانترنات التي تعدّ حاسمة في تسهيل عمليات التجنيد إذ وقع اكتشاف أن النساء اللواتي هاجرن إلى مناطق النزاع المسلّح لهنّ علاقات قرابة او مباشرة مع أخوات وبنات وزوجات المقاتلين الذكور .([3])

وهو ما يجعلنا نخلص إلى استنتاج أنّ استقطاب المرأة إلى الجماعات الإرهابيّة يقع بوسائط وأساليب مختلفة يتشابك فيها العمل الدعائي عبر الأنترنات وتتداخل فيها العلاقات الإجتماعيّة كالصداقة والقرابة والزواج .

 

 

** حوافز استقطاب وتجنيد النساء لدى الجماعات الإرهابيّة

 

تميزت التنظيمات الإرهابية خلال العشرية الأخيرة على القدرة الفائقة على اتقان التعامل مع العالم الالكتروني تقنيا فضلا عن اتقان كبير لمضامين رسائله الموجّهة والتي تتنزل في شكل فيديوهات ورسائل وصور ومقالات تصنع لهذه التنظيمات هوية خاصة بها ومميزة عن سائر التنظيمات الأخرى في العالم ، إذ من السهل جدّا لأي متصفح لشبكات التواصل الاجتماعي مثلا أن يشاهد صورة أو مقطع مصوّر فيعرف مباشرة أن هذا يمثّل داعش ويعّبر عنها ، كما أن رسائله لا تستثني جنسية ولا قومية ولا لغة ولا جنسا ولا فئة عمرية إذ يقوم التنظيم باستقطاب شمولي وسريع جدّا قد يستغرق الردّ على الرسالة الواحدة شهرا كاملا من الاعداد.

وبغض النظر عن موقف داعش من قضية المرأة في حقوقها وحرياتها التي تنعت بالظلامية والتشدد ،فإن استقطاب النساء يعتبر هدفا أساسيا في عملية الاستقطاب والتعبئة حيث تقوم داعش بتوظيف البعد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تعيشه البلدان العربية خاصّة في تجنيد المرأة  باستغلال خيبات أمل الشعوب المتزايدة على غرار الرجال وهو ما يجعل النساء من البلدان العربية اللاتي يعشن تحديات يومية كالتشغيل وسوء الإدارة والوصول إلى الخدمات الاجتماعية اللازمة عرضة لهذا الخطاب ،فضلا عن توظيف تفشي ظاهرة الفساد والظلم والقمع السياسي للمرأة في كثير من البلدان لتحريك إحساس الشعور بالضيم لدى المرأة حتى تلتحق بهذا التنظيم او تتبنى أفكاره .

و من المؤكّد في الدراسات أن نساء دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هن الأكثر عرضة من غيرهن للاستقطاب والانجذاب للارهاب من الدول الأخرى التي تعرف التنمية والرخاء وهو ما جعل داعش في مرحلة الاستقطاب تركّز في أجنداتها على النشاط الإعلامي الموجّه لاستقطاب النساء عن طريق تأسيس ما يعرف بـ “كتيبة الخنساء” وهي كتيبة نشطت في العراق وبلاد الشام في شكل شرطة نسائية مختصة بشؤون النساء والأطفال ولها أدوار استقطابيّة وتنظيمية عالميّة تصدر  بيانات موجهة للمرأة بشكل مخصوص تشير في أغلب رسائلها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى البعد الاجتماعي والاقتصادي في تزايد الفقر وعدم المساواة في الثروة وأن التنظيم الإٍهابي يقدّم البدائل بإنشاء  بيت  للزكاة من أجل أن تتمكن المرأة من أخذ رزقها الشرعي لها ولأطفالها وأن المرأة قادرة على الذهاب إلى المحاكم ليتحدثن علنا عن قضاياهن.([4])

ولعل حوافز استقطاب المرأة في داعش يعتمد عدّة مستويات في الخطاب الذي يستهدفهن ويتم فيه مراعاة الفوارق والاختلافات الجغرافية واللغوية والمجتمعية والقضايا التي تعيشها المرأة، فعلى سبيل المثال  يقع استغلال خيبة الأمل المتزايدة في الحكومات الوطنية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تواجه فيها المرأة نقص العمالة وسوء الإدارة ومحدودية الوصول إلى الخدمات وتفشي الفساد والظلم والقمع السياسي وعدم نيل المرأة حقوقها الاجتماعية  ليصوّغ الإرهاب دعاية أنّ بدائل هذه الجماعات  تصنع عالما مثاليا تتوفّر فيه مستويات معيشة عادلة فسرديات الاستقطاب هنا تركّز على البعد الاجتماعي والاقتصادي الذي يمثل بديلا عمّا تعيشه أغلب  نساء البلاد العربية  من مشاكل.

في المقابل كشفت عديد التقارير والدراسات الميدانية أن الجماعات الإرهابيّة  عملت على  استقطاب النساء الغربيات عبر التركيز على مشاعر العزلة والنفور من الإرث الثقافي لدول الإقامة للأقليات المسلمة وتوظيف تصاعد ظاهرة الاسلاموفويا وتكرار الاعتداءات على المسلمين والتضييق عليهم لاقناع النساء الغربيات بأن هذا التنظيم يعطي البديل لإيقاف نزيف العدوان على المسلمين فضلا عما يقدّمه هذا التنظيم الإرهابي من رؤية بديلة لصورة المرأة الراعية لقضية جوهرية ذات هدف يوظّف الدين ويتلاعب من خلاله بالمشاعر والعواطف.

وهذا ما يجعلنا امام تنظيم متطرف يتقن لعبة الاستقطاب الإعلامي ويوظّف كل العوامل الانفعالية والسلوكية والادراكية لتجنيد النساء لخدمة مشروع دموي عالمي يميز فيه الإرهاب جيّدا بين طرق استقطاب النساء العربيات والغربيات ليكنّ قنابل موقتة داخل مجتمعاتهن ومدى استجابتهن لتمرير هذه الرسائل إلى أجيال جديدة من الإرهاب وحتّى من خلال القيام بعمليات نوعيّة ومسلّحة  انفراديّة أو منظّمة.

 

  • إعلامي وباحث في الحضارة والفكر الإسلامي

موقع “التونسيون”

 

 

[1] – صوفيا باتل ، سلطنة النساء : استكشاف الأدوار الانثوية في ارتكاب ومنع التطرف العنيف ، معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالية ، فيفري 2017.

[2] – مركز كارتر : تفكيك الديناميات المعقّدة بين الجنسين في دعاية داعش للتجنيد ، فيفري 2017.

[3] – المرجع نفسه ،ص 3.

[4] – بيان كتائب الخنساء فيفري 2015.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *